728 x 90



img

فكرت عدة مرات كي أكتب هذا المقال، وترددت عدة مرات بحكم أن ما كُتب إلى الآن «يكفي ويوفي»، إلا أنني راجعت نفسي مرة أخرى وقلت ماذا عليَّ أن أذكر في هذا المقال لم يذكره أحد إلى الآن. فقررت أن أسترجع فترة «البساطة». استرجعت فترة نهاية الثمانينيات - بداية التسعينيات (الفترة التي عاصرت فيها لحظات وأجواء أساسها المنزل والعائلة)، بينما كانت البيوت مفتوحة، استرجعت سفرة العيد في منزل جدتي الذي لا يختلف عن أي سفرة أخرى، تشمل سلة الفواكه غير المقطعة، علبة حلوى، مكسرات وحلوى البلعوم كأفضل جزء من السفرة بحيث تنفد بسرعة قبل قدوم الضيوف أحياناً! تذكرت البساطة، بل افتقدتها كثيراً. تذكرت صحن الأرز الكبير الذي نتشارك جميعنا فيه وقت الغداء. تذكرت والدي رحمه الله وهو يحيينا من بعيد حتى نركب السيارة بعد نهاية المدرسة.
لهذه البساطة عوامل كثيرة جداً، ساعدت على ارتكاز الحياة الاجتماعية على نمط عائلي- متجانس، ثم تليه الارتباطات المهنية الأخرى لغرض كسب الرزق الذي تحتاجه الأسرة في النهاية، بل إن هذا التجانس واجه قفزات نوعية موازية للازدهار الاقتصادي. وكيف لهذه العوامل الاجتماعية أن لا ترتبط في الأوضاع الاقتصادية، بل العلاقة ما بين العاملين أساسية لمواكبة حال وتغييرات المجتمع اليوم وفي الغد. من منظوري في دراسات الخليج، بأن إحدى العوامل التي ساعدت على هذا الارتكاز الأسري في اعتقادي كانت نهضة ما بعد الحداثة وأخصص حديثي طبعاً في دولتي الحبيبة، بحيث تشمل ثورة المصانع النفطية والبتروكيماوية كمثال على إحدى العوامل الكثيرة. بشكل مبسط جداً، كانت الدولة حينها على صدى التطور والنهوض أكثر في مختلف المجالات بشكل أوسع. عملت كل من المصانع والنفط بدور كبير جداً في تصدير المواد الخام كإحدى الإنجازات القوية لسيادة دولة قطر للعالم. فهنا نستطيع أن نقول بأن التصدير كان من الأسباب الرئيسية التي أبقت أفراد المجتمع في تماسك، بحكم عدم دخول العمالة الأجنبية والقطاع الخاص بشكل متسارع، وتصدير الخام كان دليلا على ما ذكره بعض من العلماء عن دولة الرفاهية التي لا تطالب بتكليف المواطن بالإنتاج أو حتى بالضرائب على الخدمات العامة بحكم أرباح البترول. ثورة الصناعة تلعب دوراً كبيراً جداً في تحريك البنية الأسرية للمجتمع، ولا ننكر مسألة النهوض الريعي الذي أدى إلى فجوة ما بين الإنتاج والعمل الإداري لدى الفرد، ولكن لا شك من دور الريع في تجانس الأسرة ولعب الدولة دور الراعي الذي يعطي دون مقابل ضريبي. القصد من وراء هذا المقال، أن العلاقة الاجتماعية – الاقتصادية لها دور كبير في تجانس الاسرة، تقويتها وحمايتها من التفكك بحكم عدة تحديات وسياسات مواكبة لحقبة اليوم.
ختاماً
كيف لي أن أستذكر هذه الأيام ولا أذكر الركيزة الأساسية لتقوية عمود الأسرة: الأمير الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، رحمه الله وأدخله فسيح جناته.
عظَّم الله أجرك يا وطن..

بثينة الجناحي
زميلة مركز كارتر للصحة النفسية وعضو جمعية وياك