728 x 90



img

مما لا شك فيه أن أي إنسان سوي يعيش على الأرض يطمح إلى تغيير واقعه للأفضل، وهذا بهدف الشعور بالأمان النفسي والاستقرار الوجداني، ولعل الذي يميز الإنسان الناجح عن غيره هو أنه استطاع أن يتغلب على العقبات التي تعترض طريقه في مشواره نحو تحقيق أهدافه، وهذا بفعل قوة كامنة لديه استطاع أن يستثمرها من أجل الاستمرار في النجاح والتميز، أما الذين يدَّعون الفشل فهم توقفوا عند أول عقبة اعترضت طريقهم نحو النجاح، واستسلموا لها، وبالتالي صاروا إلى ما صاروا إليه. وحديثنا في هذا الموضوع هو عن هذه القوة التي إن تم استثمارها بطريقة صحيحة نصل إلى النجاح والتميز، وإذا ما عطلناها فسنحكم على أنفسنا بالفشل، الحديث عن إرادة التغيير.

وفي هذا الموضوع سنتناول مفهوم كل من الإرادة والتغيير، وما المقصود بالاستعداد للتغيير، مع بيان مستويات التغيير وذلك بهدف تبصير القارئ بواقعه ومن أجل أن يصنف نفسه من حيث هذه المستويات مع توجيهه لكيفية الارتقاء إلى مستوى التغيير الذي يطمح إليه.

ماذا يقصد بالإرادة؟ وقُوَّة الإرادة؟

الإرادة هي قوة كامنة داخل الشخص تدفعه إلى إحداث تغيير عن طريق تحقيق الأهداف التي يطمح للوصول إليها، وبدون استثمار هذه القوة فسيتوقف هذا الشخص عند أول عائق يعترض طريقه.

أما قوة الإرادة فهي المثابرة على القيام بعمل ما برغم العوائق والمصاعب التي تعترض القائم بهذا العمل، وهذا يدل على أن الأمر يحتاج إلى استمرارية في السير نحو إنجاز هذا العمل.

التغيير: هو عملية التحول من حالة واقعية إلى حالة منشودة؛ ولذلك على الشخص الذي يريد أن يحقق أهدافه أن يتعرف أولا على واقعه ويقيمه وذلك حتى يتمكن من تحديد وجهته نحو التغيير.

الاستعداد للتغيير: هو مدى رغبة الفرد في الانتقال من الوضع الحالي إلى وضع أفضل في المستقبل.

مستويات التغيير:

المستوى الأول: وعنوانه اللامبالاه، حيث إن الفرد لا يعي بواقعه ولا يستطيع تقييمه، وربما يعرف أنه يحتاج للتغيير إلا أنه يفضل وضعه الحالي. مثال: مدخن السجائر، لا يرى أن التدخين يسبب له أي مشكلة، بل ويستمتع بالتدخين، ويستنكر أي نصيحة من الآخرين حول الإقلاع عن التدخين.

المستوى الثاني: لا يدرك أن واقعه يحتاج إلى تغيير إلا بعد حدوث المشكلة، مثل الطالب المستهتر الذي لا يذاكر دروسه ولا ينتظم في الدراسة، فهو لا يدرك أنه بحاجة إلى التغيير إلا بعد رسوبه في الامتحان النهائي.

المستوى الثالث: يعرف أن واقعه يحتاج للتغيير، ولكن هذا التغير مؤقت ووقتي حسب الحاجة، مع عودته لوضعه الأصلي مرة أخرى، أي أن تغيره طبقا للظروف المحيطة به. ومثال على ذلك السائق المتهور في قيادته للسيارة، فهو لا يلتزم بسرعة الطريق إلا إذا تواجد في مكان به كاميرات مراقبة.

المستوى الرابع: يعرف أن واقعه يحتاج إلى التغيير وأن لديه بعض المشكلات التي يحتاج أن يعالجها ولكنه يرى أن قدراته وإمكانياته لا تمكنه من إحداث التغيير ويستسلم ظنا منه أنه لا يريد أن يتعب نفسه من أجل سراب. مثل الطالب الذي لا يحب مادة الرياضيات، فعند أول مسألة رياضية لا يستطيع حلها، تجده يحدث نفسه بأنها مادة صعبة وأن قدراته أقل من أن يتقنها، وبالتالي تصبح عنده مادة الرياضيات عقدة لا يستطيع الفكاك منها.

المستوى الخامس: يعرف أن واقعه يحتاج إلى التغيير ويبحث عن الاستراتيجيات والوسائل التي تمكنه من إحداث تغيير وبالفعل يبدأ في التطبيق إلا أنه يفشل في إحداث تغيير ويزعم أنه حاول إلا أنه أخفق وبالتالي يجد أنه ليس في حاجة للبحث عن حلول أخرى، وهو في الحقيقة لم يضع استراتيجيات صحيحة، أو أن هذه الاستراتيجيات غير كافية لإحداث تغيير. فمثلا الزوجة التي تشكو من عناد طفلها، تحاول تلبية رغباته ظنا منها أنها تعالج العناد، إلا أن طفلها يزيد من عناده، وبالتالي تستسلم وتزعم بأن حال ابنها لن ينصلح أبدا، مع أنها في الحقيقة لم تستخدم معه الأسلوب التربوي الصحيح لمعالجة هذا العناد.

المستوى السادس: يعرف أن واقعه يحتاج إلى تغيير ويضع الوسائل والطرق اللازمة لإحداث التغيير ولكنه لا يضع في حسبانه تبعات هذه الوسائل والنتائج المترتبة عليها، هل هي حلولا ناجحة أم هي حلولا كارثية قد تزيد واقعه سوءا وألما. مثلا الزوجة التي تعاني مع زوجها، فهي لا تفكر في إيجاد آلية للحور، بل يهديها تفكيرها إلى طلب الانفصال عن زوجها، ولكنها لا تدرك تبعات ذلك الانفصال على أولادها.

المستوى السابع: يعرف أن واقعه يحتاج إلى تغيير ويحدد الطرق والوسائل التي تمكنه من إحداث هذا التغيير ويفاضل بينها من أجل اختيار أيسرها وأقلها تكلفة من حيث الجهد المبذول، إلا أنه لا يقتنع بها، وبالتالي ربما يتوقف عن تطبيق تلك الممارسات وينتكس مرة أخرى. فمثلا الطالب الذي يريد الدراسة في إحدى الجامعات الأجنبية ولكنه ضعيف في اللغة الإنجليزية، تجده يحدد الحلول التي تمكنه من تحسين مهاراته في اللغة وذلك من خلال حضور دورات تعليمية، إلا أنه في الحقيقة لا يحب الالتزام بالحضور في صف دراسي، وبالتالي تجده في النهاية يحجم عن هذا الأمر ويتراجع عن محاولته لتحسين مستواه في اللغة الإنجليزية.

المستوى الثامن: يعرف أن واقعه يحتاج إلى تغيير ويحدد الطرق والوسائل التي تمكنه من إحداث هذا التغيير ويختار أيسرها وبما يتناسب مع قدراته وإمكانياته، كما أن اختياره جاء بناء على توافق كل من العقل والقلب، كما لو كان شعاره “استفت قلبك” ثم يبدأ في التنفيذ وبالفعل تبدأ عملية التغيير التي تظهر في حياته ويلاحظها عليه الآخرون. ونذكر نفس المثال الذي عرضناه في المستوى السابع، حيث إن هذا الطالب توصل إلى حل آخر لتطوير مهاراته في اللغة الإنجليزية، ويكمن هذا الحل في الاستماع إلى دروس الفيديو على موقع يوتيوب، وهذا الحل يوافق ميوله؛ حيث إنه من هواة استماع مقاطع الفيديو على الإنترنت. وبالتالي ينجح هذا الشخص في مسعاه نحو تطوير مهاراته اللغوية لأنه أوجد وسيلة للحل مناسبة لرغباته وميوله.

من خلال ما تقدم نرى أن أي شخص يمكنه إحداث تغيير في واقعه ويطوره للأفضل، ولكنه فقط يحتاج إلى إيقاظ القوة الكامنة بداخله وهي ما نسميها بالإرادة، ونذكر كلمة الملاكم الامريكي الشهير محمد علي كلاي حينما قال “كرهت كل لحظة من التدريب، ولكني كنت أقول: لا تستسلم، اتعب الآن ثم عش بطلا بقية حياتك.”، فهو أدرك أن واقعه صعب ويحتاج لاستثمار القوة الكامنة بداخله من أجل إحداث هذا التغيير. كذلك فإني أنصح القراء بقراءة قصص نجاح المشاهير مثل هارلند دافيد ساندرز، مؤسس مطاعم كنتاكي، وكذلك السويدي انغفار كامبراد مؤسس IKEA المعروفة عالميا