728 x 90



img

الإحترام من القيم الإنسانية السامية التي يتمتع بها الإنسان و ربما تكون الأهم التي تساعدنا علي بناء علاقات إنسانية سوية و بناءة مع الآخرين. فعندما يحترم الانسان الأخر فهو يُظهر له التقدير و الإعجاب بما يقوم به من عمل مميز أو بما يتحلي به من صفة حميدة أو سلوك حسن قام به أو فكرة ما قيمة و مفيدة طرحها.

فالإحترام عبارة عن مشاعر أو أحاسيس تجاه الأخر و تنتج من تراكم الأفكار و المعتقدات تجاه أنفسنا و تجاه الاخر. إذن فالإحترام مشاعر و ليست أفكار و التعبير عن الإحترام يكون بالمشاعر أو الأفكار معا. فالاحترام ممكن ان يكون سلوك يكتسبه الانسان من خلال أساليب التعلم التي يتعلمها منذ الصغر و تتطور و تجدد خلال مراحل التطور النفسي و الفكري و الإجتماعي التي يمر بها الإنسان. و بالتالي الإحترام يمكن ان بكون سلوكاً نتعلمه منذ الصغر كباقي السلوكيات الآخري كالكذب و العنف .

من الأخطاء الشائعة أن نعتقد بأن الإنسان يولد مُحترمِاً للآخر، فهو يبدأ بتعلم هذا السلوك في الأسرة كأول حقل تجارب للطفل علي ممارسة سلوك الإحترام للآخر. فإذا شاهد الطفل كيف يحترم الزوج زوجته و كيف تحترم الزوجة زوجها و كيف الأخ يحترم الأخت و العكس يبدأ في إكتساب هذا السلوك و الذي من الممكن ان يصبح سلوك و أسلوب حياة و منهج يتبعه الطفل في تعاملاته مع الآخرين . فلا يمكن ان نأمر الطفل بأن يقول لطارق الباب الذي جاء يسال عن والده بان الأب غير موجود في البيت و واقع الحال يكون أن الأب موجوداً و يقول للطفل “إحكي له أني مش موجود”. فكيف لهذا الطفل ان يتعلم الصدق في المعاملات ان كان الأب يعلمه غير ذلك!!. و لك ان تتخيل كيف سيكون مستقبل هذا الطفل اذا كان الأب لا يظهر الاحترام لزوجته و لا يحترم لها حقوق أو خصوصية و لا يشجعها علي القيام بالأعمال الإيجابية. و الواقع أن نظريات التعلم الاجتماعي واضحة في هذا المجال.

و ممكن أن يكون الاحترام فكره تُغرس في الأطفال منذ الصغر و تصبح جزءاً من منظومة المفاهيم و المعتقدات التي تشكل التوجهات الإيجابية تجاه نفسك و تجاه الأخر. و هنا أيضاً نظريات التطور الفكري و النفسي واضحة في هذا المجال من حيث كيفية تطور منظومة المفاهيم عند الانسان. و ما أكثرها هذه الأفكار السامية التي ممكن ان نجدها في مجتمعاتنا، فالمفهوم الشائع “إحترام الآخرين” أو مبدأ التعامل بالمثل، واحترام الوالدين و احترام المسنين و إحترام الصغير للكبير واحترام أدب المجالس واحترام الضيف من المفاهيم التي تترجم الي سلوكيات تساهم في بناء العلاقات الاجتماعية. وقد تأثر مفهوم الاحترام في المجتمعات العربية و الاسلامية بصورة كبيرة بالدين الإسلامي إذ جعل ثقافة الاحترام جزء أساسياً من منهج الحياة اليومية الاسلامية السمحة، و في بعض المواقف تجاوزت مرحلة التعاليم الي العبادات فعلي سبيل المثال لا الحصر احترام الابن للوالدين حيث ربط الله سبحانه و تعالي عبادته باحترام الوالدين فذكر الله ذلك في القرآن الكريم : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، وقوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. و الكثير من الأحاديث النبويه واضحة في هذا الخصوص. و نجد أن بعض هذه الأفكار و الممارسات لازالت قائمة الي يومنا هذا و طبعا منها من إنقرض طبقا لما وصلت إليه هذه المجتمعات من تطور مجتمعي و إجتماعي. و نلاحظ انه في كثير من المجتمعات نجد الخلط في المفاهيم بما لا تتناسب مع الأفكار التي نربي عليها اولادنا فبحجة التطور و احترام الحقوق يدخن الأب و ابنه معاً و بحجة احترام الحقوق لايحترم الابن رأي ابيه أو أمه و الأمثلة هنا كثيرة.

إحترام الشخص وقدراته و إنجازاته من الدلاَلات الهامة للتطور المجتمعي و تقبل الشخص و معتقداته و أراؤه التي قد تكون مختلفه عن آراء الآخرين تدل علي وعي فكري ناضج. فمن تربي علي أفكار إحترام الأخر و تقبله حتي لو خالفه الرأي تجده يستمع له و يحترم رأيه و يحاول أن يطرح وجه نظره و إن لم يقتنع الأخر بها فهذا لا يعني العداء أو القطيعة، بل تعني تقبل وجه نظر الآخر فالعقل الواعي الذي يؤمن بالأخر هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها. فإحترام الشخص لنفسه تكمن في قدرت هذا الشخص علي رؤية نفسه من منظار قيمتها. احترم غيرك، يحترمك غيرك. احترم غيرك، احترامًاً لإنسانيته، أيًا كان سِنّه، وأيًا كان مركزه ووضعه في المجتمع، فهو مثلك، إنسان. احترام الكبار، أمر يمارسه الجميع تقريبًا ويشعرون بأنه واجب ملزم لا يحيد عنه إلا شخص غير واعي. فإحترام الشخص للآخرين لا يفقده هيبته أو مهابته فعلى العكس تماماً يكسبه محبة الآخرين له لا مهابتهم منه.

و من مظاهر الاحترام للآخر الإستماع و الإصغاء لما يقوله الأخر له. بكل أسف تجد شخصاً بتحدث لاخر بإهتمام و عواطف صادقة و تجد الآخر إما منحنياً برأسه يرسل رسائل عبر الهاتف أو الوتس أب أو يكتب شيئاً، أو عابساً أو حتي يتحدث مع شخص آخر. فالأصغاء الجيد من أهم مظاهر الاحترام.

و من المظاهر الآخري للإحترام تقبل الشخص للاخر و الاعتذار له عند الإساءة اليه سواء بالكلمة المقصود منها الإساءة او بالمزاح الذي لا يتقبله الاخر. و التقليل من شأن الآخرين يفقد الاحترام و كذلك تقليل الشخص لشأن نفسه يفقد احترام الآخرين له فلا تقلل من شأن نفسك أو إنجازاتك. فالإنسان يفقد احترام الآخرين عندما يقلل من شأن نفسه ولكن عدم المبالغة بذلك مهم أيضاً.