728 x 90



img

إن التطرف الحاد في الأراء ووجهات النظر، والكراهية التي تنشأ بين أفراد الوطن الواحد، بل بين أفراد الأسرة الواحدة، والخلافات الحادة بين الزوج وزوجته والتي تفضي في النهاية إلى الطلاق المنتشر حاليا في مجتمعاتنا العربية، وكذلك عناد الأبناء، وعقوق الوالدين المتزايد، كل هذا بسبب الافتقاد إلى الحوار، كل هذا بسبب عدم وجود الوعي الكافي والفهم العميق لمعنى الحوار.
وقبل أن نتحدث عن فنون الحوار مع الأبناء، فإنه يتعين علينا نحن الكبار أن نتعرف عما إذا كنا محاورين جيدين أم أننا بحاجة إلى تعلم مهارة الحوار حتى ننقلها إلى أبنائنا بطريقة صحيحة وسليمة، ومن هنا سوف نتعرف على ماهية الحوار والفرق بينه وبين المناظرة والجدال، وأهمتيه وأدابه ومعوقاته، ثم سنتحدث عن فوائد الحوار التربوي مع الأبناء وشروطه مع تقديم نصائح يجب مراعاتها أثناء حوارنا مع أبنائنا. ولكي نفهم معنى الحوار سنبين الفرق بين كل من المناظرة والجدال والحوار.
ما الفرق بين المناظرة والجدال والحوار؟
المناظرة: هي مقابلة بين طرفين كل منهما يريد إثبات صحة وجهة نظره، وإبطال وجهة نظر الآخر، مع توفر الرغبة الصادقة بظهور الحق والاعتراف به عند ظهوره. وبالتالي فلا مجال للاتهام أو التجريح أو حتى محاولة التضليل. والأمثلة كثيرة على المناظرة، وأشهرها المناظرات التي تتم بين المرشحين الرئاسيين في أمريكا، فكل مرشح لديه برنامجه ولديه من الحجج التي تدعم أحقيته بمنصب الرئاسة.
الجدال: هو مقابلة الحجة بالحجة حتى ولو كانت زائفة، وذلك بغرض إلزام الآخر برأيه وإفحامه. والجدال هنا نوعان، جدال محمود، ويحدث بين طرف يريد إقرار الحق، وآخر يريد تزييف الحقائق وإقرار الباطل، ولعلنا نعرف أن الجدال نوعان أحدهما مذموم وهو الجدال من أجل إقرار الباطل، وآخر محمود وهو الذي أشار به المولى عز وجل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولكن قرنه بشرط هام وهو “التي هي أحسن”، حيث قال في كتابه العزيز: “وجادلهم بالتي هي أحسن” النحل 125. ولكن يجب أن نعلم هنا أن كل طرف لا يؤمن بالطرف الآخر بالرغم من أحدهما قد يكون على حق والآخر على باطل.
الحوار: وبالنسبة لتعريف الحوار، فإننا سنعرفه انطلاقا من معناه في اللغة وهو “النقاء والتخلص من العيوب، لأن طبيعة الحوار تؤدي بالنتيجة إلى التخلص من العيوب الفكرية من خلال طرح الأفكار المتعددة واختيار الراجح منها”، وهو أيضا ” تبادل لوجهات النظر وللأفكار التي تدور في الأذهان بين الطرفين”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الحوار هو مجرد حديث يدور بين طرفين أم أن له أشكالا أخرى؟
في الحقيقة فإن الحوار له أشكالا متعددة، منها حوار الفرد مع نفسه، فأنت تتحاور مع نفسك وتناقشها في أمر ما للوصول إلى قرار معين، فمثلا عندما تجد نفسك أمام خيارين هما الخروج مع أصدقائك للتنزه أو المكوث في المنزل من أجل إنهاء الواجبات المقررة عليك، فإنك في هذه الحالة تدخل مع نفسك في حوار تتبادل من خلاله الأفكار وتناقشها حتى تصل إلى القرار الذي تراه مناسبا لك.
وهناك شكلا آخر من أشكال الحوار وهو حوار الفرد مع أفراد أسرته ومع أصدقائه، وفي الحقيقة فإننا في حاجة ماسة إلى إنشاء حوار إيجابي بين أفراد الأسرة لأنه هو الدعامة الأساسية لتماسك الأسرة، وسنتحدث إن شاء الله في الجزء الثاني من الموضوع عن أهمية الحوار وفوائده في هذا الشأن.
كما أن هناك حوار الفرد مع زملائه في العمل، وهذا النوع من الحوار إذا ما تم بالصورة الصحيحة فهو يساهم في تدعيم العلاقات بين العاملين داخل المؤسسة مما ينعكس ذلك بدوره على الكفاءة الإنتاجية والتميز الذي تصل له تلك المؤسسة.
وأخيرا فإن هناك حوار الفرد مع المجتمع، ويقصد الحوار مع أي شخص تتعامل معه خارج المنزل، مثل سائق التاكسي أو البقال أو عامل النظافة أو عامل البناء …إلخ.
إذن علينا أن نفرق بين الحوار والمناظرة والجدال، ونقيم أنفسنا متسائلين، هل نحن بالفعل في تعاملاتنا من خلال الدوائر التي ذكرناها نطبق المفهوم الصحيح للحوار؟ أم أننا نتعامل بمنطق المناظرة؟ أم أننا من المجادلين؟