728 x 90



img

“عندما يطلب مني الآخرون أي طلب، أخاف أن أرفض وأقول “لا” حتى لا يغضبون مني”، “يجب أن يخشاني الآخرون ويعملون لي ألف حساب”، ” كما أن لك الحق أن تطلب مني ما تريد، فمن حقي أيضا أن أرفض”. هذه التصريحات لم تخرج من شخص واحد، بل إنها صدرت عن ثلاثة أشخاص يختلفون في أنماطهم الشخصية، وهذا هو محور حديثنا في هذا الموضوع، خاصة وأنه لا يوجد أحد منا إلا وتعامل مع أصحاب هذه الأنماط في حياته سواء في المنزل أو العمل أو الأصدقاء.
كما أننا نهدف من خلال هذا الموضوع إلى تبصير القارئ بهذه الأنماط حتى يتمكن من معرفة النمط الذي يمارسه، وفي نفس الوقت مساعدته على الانتقال من النمط غير المرغوب إلى النمط الصحي المرغوب فيه والذي يقوده إلى تحسين حياته من خلال الوصول إلى درجة كبيرة من الرضا النفسي بما يساعده على التكيف مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه.
ونظرا لأن عرض الأنماط الثلاثة في مقال واحد قد يجعل من الصعب على القارئ متابعته كاملا، فإننا سنناقش كل نمط على حدة في مقال منفصل، وذلك ليتمكن القارئ من استيعاب كل نمط بالشكل الذي يمكنه من معرفة سلبياته والتخلص منها.
النمط المُنقاد (التابع):
ويتسم هذا النمط من الشخصية بالتالي:
– الأولوية الأولى لديه هي كسب ود الآخرين وتعاطفهم معه، فنظرة الآخرين له تهمه كثيرا، ولذلك تجده يسعى جاهدا لاسترضاء الآخرين مهما كلفه الأمر. فهو لا يستطيع أن يرفض طلبات الآخرين، أي أنه لا يستطيع أن يقول “لا” ودائما ما يقول “نعم”، فهو يعطي ما يطلبه الآخرون منه بطريقة تلقائية حتى ولو كان ذلك على حساب نفسه أو أنه لم يكن يرغب في ذلك من داخله، ولذلك فإن النمط من الشخصية يسهل استغلاله من قِبَل الآخرين نظرا لطيبته الشديدة.
– إذا طلب منه الآخرون خدمة وهو لا يرغب في تقديمها، فإنه لا يمتلك الشجاعة الكافية لكي يقول “لا” بل يتسم رده بالمراوغة والتلميحات التي تشير إلى تنصله من الأمر، أو قد يلجأ إلى الكذب حيث يوضح للآخر بأنه سيقوم بالمطلوب وعندما تراجعه تجده لا يرد على الهاتف وذلك هربا من تأدية الخدمة المطلوبة منه، وعندما تواجهه بذلك تجده يسوق الأعذار المنطقية وغير المنطقية ظنا منه أنه بهذه الأعذار يستطيع الهروب من الموقف وفي نفس الوقت يكون قد تجنب إغضاب الطرف الآخر. وهو لا يعي أنه بذلك يرسم لنفسه صورة ذهنية سلبية في أذهان الآخرين.
– حساس بطريقة زائدة عن الحد وغالبا ما يقدم اعتذاره للآخرين بمناسبة ومن غير مناسبة، ويردد كلمة “آسف” كثيرا في حواره مع الآخرين عندما يشعر بأنه سوف يختلف معهم في وجهة نظر أو شيء من هذا القبيل.
– يتنازل عن حقوقه بسهولة؛ لأنه يرى أنه إذا طالب بحقه من الآخرين فإن ذلك قد يغضبهم منه خاصة وأنه يسعى لكسب رضاهم؛ وذلك لأن الأولوية الأولى لديه هو كسب حب وتعاطف الآخرين تجاهه. ومن مظاهر ذلك أنه لو اقترض منه صديق أو زميل مبلغا من المال ووعده بأنه سوف يرده في موعد معين، وجاء هذا الموعد ولم يتم رد المبلغ له، تجده يستحي من أن يطالب بحقه، كذلك الأمر عندما يشتري شيئا ما من أي مكان تسوق، ويكون المبلغ مثلا 295 بالعملة المحلية، فيدفع 300، ثم يستحي أن يطالب بباقي المبلغ ظنا منه أنه أمر تافه وهذا قد يحرجه لو طالب بالباقي، مع أنه في الأصل هذا حقه ولا ضير في أن يطالب به مهما كان قليلا.
– حينما يتحدث عن أدواره سواء الاجتماعية أو الوظيفية، غالبا ما يظهر للآخرين في حديثه معهم بأنه مظلوم ومقهور وأنه دائما ما يضحي من أجل الآخرين، ولذلك فإنه كثير الشكوى، فمثلا إذا كان موظفا تجده يتحدث بأن كل شيء في الإدارة التي يعمل بها ملقى على عاتقه وأنه يتعب كثيرا وأنه مظلوم ومقهور لدرجة تشعرك بأنه الوحيد الذي يعمل بتفاني والباقي كسالى، وهو في الأصل يفعل كل هذا بهدف كسب تعاطف الآخرين.
– لا يمتلك الشجاعة الكافية لطرح الأسئلة إذا لم يفهم مسألة ما وذلك حتى لا يتم إحراجه. ومثال على ذلك أنك قد تجد طالبا ممتنعا عن طرح الأسئلة أثناء المحاضرة ظنا منه أن أسئلته قد تكون تافهة، مما يؤدي ذلك إلى سخرية الأستاذ منها فيسبب ذلك له إحراجا أمام زملائه. كما أنه غير واثق من نفسه، فهو يخشى طرح الأفكار التي تدور في ذهنه ظنا منه أنها قد تكون تافهة وبالتالي ستكون محلا لسخرية الآخرين منه.
– يعيش دائما في صراع بين نفسه والمحيط الخارجي، فأحيانا يتصرف تصرفات فجائية غريبة تجاه الآخرين وعندما تسأله عن ذلك يقول “لا أعلم لماذا فعلت ذلك”، ويبدأ في لوم نفسه وجلد ذاته بدلا من تصحيح الخطأ بألا يتصرف هذه التصرفات مرة أخرى.
يظن هذا النمط من الشخصية أنه بهذه التصرفات يستطيع تكوين علاقات قوية مع الآخرين، إلا أنه يكتشف في النهاية أن الآخرين لا يثقون في قدراته وإمكانياته ويرون أنه غير جدير بالمسئولية، كما أنه لا يصلح للقيادة؛ ولذلك علينا أن نتجنب الوقوع في هذا الفخ من خلال تغيير سلوكياتنا إذا كانت تقع في نطاق هذا النمط. وهذا الفخ لا نستطيع تجنبه إلا إذا تعرفنا على النمط الواضح والصريح وهذا ما سنتحدث عنه في الجزء الثالث من هذا الموضوع بعد أن نتناول النمط العدواني في الجزء الثاني.