728 x 90



img

تحدثنا في الجزء الأول عن نمط الشخصية التابعة أو الشخص المنقاد وتبين لنا أن من بين صفاته أنه يتنازل عن حقوقه من أجل إرضاء الآخرين، ثم تحدثنا في الجزء الثاني عن نقيض هذه الشخصية وهي الشخصية العدوانية والتي لا يهمها إلا أن تحصل على ما تريد حتى لو كان على حساب حقوق الآخرين، ولقد نوهنا إلى أن هذه الشخصيات منتشرة في عالمنا وربما نتعامل معها بشكل شبه يومي، أما النمط الثالث من الشخصية وهو النمط الذي نتمناه جميعا، وهو بالفعل موجودة ولكن للأسف ليس بنفس كثرة وجود الشخصية التابعة والشخصية العدوانية.
حديثنا في هذا المقال عن نمط الشخصية الصريحة الواضحة المباشرة التي لا تحب التلاعب واللف والدوران كالنمط التابع، كما أنها لا تحب الأنانية والانتهازية مثل الشخصية العدوانية، هذه الشخصية هي الشخصية السوية التي ننشدها في أنفسنا وفي أبنائنا. والآن لنتعرف على أهم ما يميز هذا النمط من الشخصية:
– يطالب بحقه دون الاعتداء على حقوق الآخرين، فمثلا تجده لا يقبل أن يتجاوزه شخص في قائمة الانتظار ولا يقبل على نفسه أن ينتهك حقوق الآخرين بتجاوزهم، بل يحافظ على دوره في الانتظار بعكس النمط العدواني الذي يريد أن يقفز على الجميع لينجز عمله.
– يؤمن بأن له الحق في التعبير عن آرائه ووجهات نظره دون خجل، ولا يخشى انتقاد الآخرين له ولا يأبه بسخريتهم من أرائه، بل تجده يعبر عن أفكاره بحرية تامة دون الخوف من رد فعل الآخرين تجاه هذه الأراء والأفكار.
– لديه من الجرأة أن يقول (لا) دون أن يؤنب نفسه، فمثلا إذا طلب أحد منه طلبا ما وهو غير قادر على تلبيته، تجده يقول “لا أستطيع تلبية طلبك” دون خجل ودون أن يورط نفسه. وهذا انطلاقا من المبدأ القائل: ” كما أن لك الحق في أن تطلب مني ما تريد، فإنه من حقي أن أقول لا”. فمثلا إذا كان مشغولا في عمله وأحدهم طلب منه مساعدته، تجده لا يجد حرجا في أن يقول بأسلوب لبق “لا لأني مشغول في أداء مهامي” بعكس النمط السلبي الذي قد يقبل تقديم المساعدة خوفا من أن يخسر الآخر، برغم أنه لن يستطيع أن يوفي بوعده، مما يضطره فيما بعد إلى أسلوب المراوغة والكذب أحيانا.
– حديثه مع الآخرين يتسم بالوضوح والصراحة دون مراوغة، ولذلك فهو موضع ثقة الآخرين، وهذا بعكس النمط السلبي الذي يتلاعب في الحديث من أجل الهروب من الموقف.
– إذا حضر اجتماع أو محاضرة وشعر بأنه لا يفهم جزئية معينة فإنه يسأل الأسئلة دون خجل، حيث تجده عندما لا يفهم نقطة ما يبادر بالسؤال ويعلن عن عدم فهمه وعدم استيعابه ويسأل أسئلة يستوضح منها الجزئية التي لم يستوعبها في الموضوع، بعكس النمط السلبي الذي يخشى أن يسأل سؤالا يؤدي إلى سخرية الآخرين منه كما يظن.
– يظهر تعاطفه مع الآخرين ويتفهم حالتهم الشعورية ولكن ليس على حساب نفسه ولا يحمل نفسه مسئولية مشاعر الآخرين. فمثلا إذا كان مديرا بالعمل وعنده موظفا يشعر بحزن شديد نتيجة مشكلة ألمت به، فإنه يتفهم حزن هذا الموظف ويحاول التخفيف عنه دون أن تؤثر مشاعر هذا الشخص على حالته النفسية وعلى أدائه.
– يؤمن بأن له الحق في اتخاذ قراراته بنفسه ولا يحب أن يقرر الآخرون نيابة عنه، كما يؤمن بأن لكل شخص الحرية في أن يقرر ما يريد، ولذلك فهو لا يتدخل في قرارات الآخرين ولا يفرض عليهم آرائه مثل الشخص العدواني المتطفل. كما أن الشخص الصريح والواضح شخصا عصاميا غير اتكالي يحب الاعتماد على نفسه في إنجاز مهامه.
– يؤمن بأنه مسئول عن قراراته وأخطائه، وأنه الوحيد الذي يتحمل تبعات قراراته، ولا يلقي باللوم على الآخرين للهروب من المسئولية، بعكس النمط العدواني الذي دائما ما يلقي اللوم على الآخرين في حالة فشله في أداء مهامه. ولذلك فإن صاحب النمط الواضح إذا أخطأ فإنه يعترف بخطئه أمام الآخرين بشجاعة ويحاول تصحيح المسار.
– غير مهتم بأن يهابه الناس ويعملون له حساب كما في النمط العدواني، كما أنه لا يتنازل عن حقوقه من أجل كسب ود الآخرين كما في الشخصية السلبية، بل يوقن بأن تصرفاته هي التي تحدد كيف ينظر الآخرون له، ولذلك فهو يتعامل مع الآخرين بلباقة دون أن يجرح مشاعرهم وفي نفس الوقت دون أن يتنازل عن حقوقه.
– يطلب ما يريده من الآخرين بحرية تامة دون خجل ودون أن يتجاوز حدود الأدب، ويؤمن بأن الآخرين لهم نفس الحق في أن يطلبوا منه ما يريدون. فهو لا يخشى أن يرفضوا طلبه كما في حال النمط السلبي، الذي يخشى أن يحرجه الاخرون بالرفض لدرجة أنه في بعض الأحيان يتنازل عن حقوقه.
– واثق من نفسه ويعرف قدراته جيدا، وغالبا ما يستطيع تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لديه، كما أن علاقته بالآخرين متماسكة وقوية، وينظر الآخرون إليه على أنه شخص موثوق به وقادر على تحمل المسئولية، ولذلك فإن هذا النمط ناجح على المستوى الإداري والقيادي.
وأخيرا فإن التحلي بصفات النمط الواضح والصريح يحتاج لممارسة ومجهود كبير، وربما في البداية تجد صعوبة في التعامل مع الآخرين بهذا النمط، مما يخلق لديك نوعا من الصراع، إلا أنه على المدى الطويل يجعل علاقاتك مع الآخرين أكثر قوة، ويزيد من احترامهم لك، كما يعزز من ثقتك في نفسك وتقديرك لذاتك.