728 x 90



img

وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هـبت الريح على بعضهم
لامتنعت عـيني عن الغمض
أبيات جميلة، ومشاعر راقية قالها هذا الشاعر العربي تعبيراً عن حبه لأبنائه، وحرصه الشديد عليهم، فمجرد هبة للريح قد تثير قلقه، وتمنع النوم عنه. ومع جمال هذه المشاعر إلا أنها توحي أيضاً بالكثير من الخوف عليهم والحماية الزائدة لهم، مما قد ينعكس سلباً عليهم في مستقبل أيامهم. فالرياح التي سيواجهونها في صغرهم، وعندما يكبرون، والمتمثلة بضغوط الحياة وأزماتها وعثراتها كثيرة، ولن يجدوا دائماً الأب والأم الحانيين الذين سيساعدونهم على التعامل معها وتجاوزها والنهوض السريع منها.
حياة الأطفال والمراهقين، كما هي حياة الراشدين، مليئة بالضغوط التي لا نحسن نحن الكبار فهمها أو تقديرها، بل قد نقلل منها أحياناً. فنحن ننطلق من تجاربنا الشخصية في تحديد ما هو ضاغط من أحداث الحياة وما هو غير ذلك، بينما الأطفال والمراهقين يتعرضون لضغوط وأزمات من نوع آخر، فضغوط الاختبارات، والتوقعات العالية من الوالدين، والصراع مع الأقران، والتعرض لمضايقاتهم، تمثل ضغطاً على الطفل حتى لو كان يعيش في ظروف أسرية طبيعية عامرة بالحب والحنان والتفهم من جميع أفراد الأسرة. كما أن الطفل يتعرض في حياته للكثير من العثرات والفشل والإحباط التي قد يعاني بسببها من الاكتئاب أو اليأس أو حتى التفكير بالانتحار. ويكون الأمر أكثر سوءاً إذا كان الطفل يعيش في أسرة مفككه، أو تعج بالخلافات، أو تعاطي المخدرات والمسكرات، أو العنف الأسري وغيرها.
هذه المصاعب التي يتعرض لها الكثير من الأطفال والمراهقين تتطلب أساليب تربية والدية تنمي جوانب القوة لديهم، وتهيئهم لكي يكونوا قادرين على التعامل مع ضغوط الحياة وعثراتها، والخروج في النهاية بشخصية صلبة قوية تتكسر على أطرافها تلك الصعوبات وتتحول لعوامل قوة ودافع للنهوض والتقدم والإنجاز، ليس فقط في مرحلة الطفولة والمراهقة فقط، وإنما أيضاً في سن الشباب والرشد.
الطفل القادر على النهوض السريع من عثرات الحياة يتمتع بمجموعة من المهارات منها القدرة على حل المشكلات، والتعامل مع الأوضاع والظروف الجديدة والغموض الذي يرتبط بها، إضافة لمجموعة من السمات الشخصية مثل الثقة بالنفس، والتفاؤل والأمل ووجود معنى وهدف للحياة، والقناعة بقيمته الذاتية وبقدرته على التأثير في البيئة من حوله إيجابياً.
هذه السمات والمهارات مكتسبة، ويمكن أن يتعلمها الطفل في مراحل مبكرة من حياته، وتحديداً في الأسرة، ولاحقاً في المدرسة والمؤسسات المجتمعية الأخرى. فالوالدان يمكن أن يفعلا أشياءً كثيرة تنمي عند أطفالهم القوة الشخصية والصلابة والقدرة على النهوض السريع من عثرات الحياة ومقاومة ضغوط الحيا نتناول فيما يلي أهمها:

1. تجنب الحماية المفرطة للطفل، والحرص الزائد على عدم تعرضه للمخاطر مهما كانت بسيطة، فالعناية وتوفير الأمان والسلامة للطفل من الضروريات، ولكن المبالغة فيها، كأن يمنع الوالدان الطفل من ممارسة بعض الألعاب المناسبة خوفاً عليه من الإصابة، أو المسارعة للطبيب كلما أصيب بوعكه صحية، هي ممارسات والدية لا تسمح له بالنمو الطبيعي، والبدء في تحمل بعض المخاطر والآلام أو حتى الإصابات التي تشكل جزءاً من نموه البدني النفسي والاجتماعي والانفعالي.
2. لا تلبي جميع طلبات طفلك مهما أصر على ذلك، فإذا كنت تسارع له كلما بكى بمبرر أو بدونه، فأنت تعلمه أنك دائماً موجود وقريب منه، وأن كل ما عليه هو أن يبكي أو يصرخ ليجدك بجواره. الطفل يجب أن يتعلم منذ عمر مبكر أن الآخرين لن يكونوا حوله طوال الوقت، وأن استخدام الصراخ والبكاء وسيلة غير فعالة لتحقيق أهدافه والحصول على متطلباته.
3. امنح طفلك مساحة لكي يقوم بحل المشكلات التي تعترضه بنفسه، لا تعوده على قيامك بحلها نيابة عنه، اطلب منه أن يقترح الحلول، وشاركه في تحديد مناسبتها، ثم اطلب منه أن يقوم بالتعامل مع المشكلة بنفسه، وشجعه على ذلك، واطلب منه أن يوافيك بالنتائج، وقيم مدى الحاجة لتدخلك بعد ذلك.
4. علم طفلك الاستقلالية منذ مرحلة مبكرة من عمره، شيء طبيعي أن يبكي الطفل في أول أيام المدرسة، ولكن الخطأ هو أن يسمح له بالغياب بسبب ذلك، أو بقاء الأب أو الأم في المدرسة وقتاً أطول من اللازم، أو مصاحبة المربية له لداخل المدرسة يومياً.
5. تعامل مع فشل ابنك وتعثره في مهمة من المهام على أنه أمر طبيعي، ولا تقسو عليه بسبب ذلك، خاصة إذا كان قد بذل الجهد اللازم فيها. عزز عنده قيمة المثابرة واستمرار المحاولة بعد الفشل، وساعده على تفهم أن الفشل أمر طبيعي في الحياة، ومتوقع حدوثه لأي إنسان وفي أي وقت، وأنه جزء من التعلم والنمو الشخصي، وأن الفرق بين الناجحين وغيرهم هو في استمرارهم في المحاولة أو توقفهم بعد الفشل.
6. ساعد طفلك على التحكم في انفعالاته، وعدم المبالغة فيها، وخاصة حالات الغضب أو الفرح الشديدة، عوده على التفكير مسبقاً في تصرفاته وتقدير نتائجها، وعلى عدم اتخاذ القرارات أو الأفعال تحت تأثيرهما.
7. تجنب المثالية المفرطة في تعاملك مع طفلك، ابتعد عن مقارنته بأقرانه، ولا تكن توقعاتك مثالية أو أعلى من قدراته بكثير، كأن تطالبه بأن يكون الأول على الصف مثلاً، أو أن يحصل على درجات كاملة في الاختبارات. قد يكون تحقيق مثل هذه التوقعات ممكناً لحد ما في صغره، ولكن عندما يكبر سيواجه ظروفاً مختلفة تماماً، وإذا استمر بنفس نمط التفكير فسيكون من الصعب عليه تقبل نتائج أقل أو التعامل مع الفشل.
8. كن قدوة لطفلك في تعاملك مع الأزمات وضغوط الحياة وظروفها الصعبة، لا يمنع أن تظهر قلقك أو حزنك باعتدال، ولكن صمودك في وجه المصاعب، ونهوضك السريع من العثرات، وإعادتك للمحاولة مرات بعد كل فشل، سيقدم له أنموذجاً حياً يتعلم منه ويتمثله في مستقبل أيامه.
9. عود طفلك على التعامل مع تغيرات الحياة المفاجئة التي يمر بها أو تمر بها الأسرة بتقبل ومرونة وإيجابية. ذكره أن الحياة ليست تحت تحكمنا دائماً، وأن على المرء أن يتقبل تقلباتها وتغيرها بصدر رحب. إلغاء سفر الأسرة في الإجازة لأي سبب من الأسباب على سبيل المثال، فرصة له لأن يتعود على تقبل مثل هذه التغيرات بمرونة، وأن يبحث عن أنشطة بديلة، وألا تقتصر ردة فعله على ندب حظه العاثر أو التذمر أو لوم الآخرين.
10. لا تضخم المصاعب أو الأزمات التي يمر بها الطفل أو أحد أفراد الأسرة أو الآخرين من حوله، ولا تبالغ في الحديث عن صعوبتها أو تشكك في إمكانية تجاوزها. اجعل التفاؤل حاضراً حتى في أحلك الظروف، وشجع طفلك على أن يفكر في الجوانب الإيجابية في أي أزمة، وعلى استحضار أمثلة لأشخاص استطاعوا النهوض السريع من الأزمات والذين لم يمنعهم الفشل على إعادة المحاولة وتحقيق نجاحات باهرة.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “…احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل” وصية تضمنت قيماً نحتاج نحن الآباء والأمهات أن نربي أطفالنا عليها، فهي ستمكنهم من أن يكونوا قادرين على النهوض السريع من عثرات الحياة والتعامل السليم مع ضغوطها وأزماتها.