728 x 90



img

كثيراً ما نسمع عبارات: حياتي تحطمت، ومستقبلي انتهى، وكتب علي أن أبقى في هذه الحالة من أزمة لأخرى، وهي عبارات تدل على يأس الإنسان وفقدانه التحكم وشعوره بعدم القدرة على النهوض بعد الأزمات. وبالرغم من أن كل منا يتعرض في حياته لظروف صعبة، وعثرات، وحالات فشل تعيقه عن تحقيق أهدافه وأحلامه، ولكن ما يميز الأشخاص الأقوياء هو قدرتهم على النهوض وتحويل الصعوبات إلى فرص وتحقيق النجاح.
والأمم كذلك تتعرض للنكبات والهزائم والكوارث في مراحل من تاريخها، ولكن تلك التي تمتلك العزيمة والتصميم والتخطيط والعمل الجاد هي التي تتمكن من تجاوز الأزمات النهوض سريعا، وما حدث لليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية أفضل مثال على ذلك. وفي نفس الوقت، لا يعرف التاريخ عظماء حققوا النجاح والتألق، إلا بعد مرورهم بظروف صعبة وشاقة وأوقات غاية في المرارة، وكانت قوتهم النفسية مع ذلك حاضرة وتحولت لمحرك داخلي حقق لهم النجاح الذي يصبون إليه، وربما أكثر.
النهوض السريع من العثرات والفشل هو إحدى عناصر القوة الشخصية التي تتيح للشخص التكيف الفعال في وجه الشدائد والمحن والصدمات والإحباطات وضغوط الحياة، وتمكنه من التعامل معها بطريقة تساعده على تحويل العوامل السلبية إلى تحديات وفرص يخرج منها أكثر قوة وثباتاً.
هل رأيت أشخاصاً نشأوا في ظروف صعبة جداً ومليئة بمشكلات ومصاعب جمة، ومع ذلك تجاوزوا ظروف طفولتهم وتعلموا كيف يحمون أنفسهم من الآثار السلبية لها وتحقيق حياة مليئة بالإنجاز. فبينما يعتقد البعض خطأً أن الفشل والمصائب تنتقل بالوراثة أو العدوى، إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح، فإذا حدثت في أسرة شخص ما مصاعب وأزمات وأوضاع صعبة، إلا أن ذلك لا يعني أنه قد كُتب عليه هو أن يعيش حياته تحت سيطرة ذلك الوضع. إن الخروج من بيئات صعبة ليس قليل الحدوث، فقد وجد عالم النفس -ولين- خلال عشرين سنة من الدراسات أن أطفال مدمني الكحول أو المصابين بأمراض نفسية أو الأسر المحطمة لا يصبحون مدمنين أو مرضى نفسيين في الغالب.
إن اي مشكلة يمر بها الإنسان لها حل، وكل أزمة ممكن تجاوزها إذا تعامل معها الإنسان التعامل الصحيح، حتى أن بعض المشكلات الشائكة قد يكون مجرد مرور الزمن أفضل سبل العلاج لها. فقد تظهر الحياة وكأنها توجه سهامها لك، وقد تشعر أنك أينما اتجهت فسوف تصيبك في مقتل، توقف وخذ نفساً عميقاً وفكر: هل الأمور فعلا بهذا السوء؟ هل ثمة إيجابيات في حياتك؟ فستجد الكثير بلا شك.
الصلابة والقوة النفسية هي أساس قدرة الإنسان على النهوض من الأزمات والارتداد السريع بعد العثرات والانطلاق في آفاق الإنجاز والنجاح. وهي تتحقق بالالتزام بتحقيق الأهداف والشعور الداخلي بالتحكم في الظروف المحيطة. كما تتحقق كذلك بتحدي المصاعب واتخاذ القرارات الحاسمة التي يجب على المرء اتخاذها وعدم الاستمرار في العذاب الذاتي والاعتقاد أنه ليس بالإمكان أفضل والوقوع تحت سيطرة اليأس والشعور بالعجز. فالشعور بالتحكم الداخلي دفع الكثيرين ممن تعرضوا لمصاعب جمة في حياتهم للاستمرار في محاولة التأثير في الأحداث من حولهم، بدلاً من الركون للسلبية، وانتظار المزيد من التدهور والانحدار.
انظر إلى المدى البعيد ولا تكن أسيراً لظروف الحاضر الصعبة وكن متفائلاً بالمستقبل، وتخيل دائماً أن غدك سيكون أفضل من يومك. فالتفاؤل قوة عظيمة دافعة لتوجيه نظرك إلى المستقبل وعدم البقاء سجيناً للماضي وإلى وضع الأهداف والبحث عن الوسائل لتحقيقها وهو متطلب رئيس للارتداد السريع من التعثر وتحقيق النجاح.
ومن أهم العوامل المساعدة على النهوض من الأزمات التخلص من نظر الإنسان لنفسه على أنه ضحية، وتبني بدلاً من ذلك نظرة إيجابية تشعره بالقدرة على مقاومة صعوبات الحياة وأزماتها. إن نظرة “الضحية” تعطي الإنسان الأعذار لكي يتوقف عن العمل ومواصلة بذل الجهد والالتزام بتصحيح الأخطاء. فلا تلتفت إلى من يصورك على أنك ضحية للمصائب وأنك غير قادر على تجاوزها، وتوقف عن لوم الذات، وإنكار مشكلات وصعوبات حياتك والهروب من التفكير فيها، فهذا لا يزيد الأوضاع إلا سوءاً، فالاعتراف بوجود المشكلة والتصميم على التعامل معها هو ما سيصنع الفارق. الذين استطاعوا الخروج من الظروف الصعبة والفشل كانوا صريحين وأمناء مع أنفسهم في تحديد نقاط ضعفهم والمبادرة والتحكم في المشكلات وبذل أقصى قدراتهم لحلها.
لا شيء يساعد الإنسان على تحقيق أهدافه، بعد توفيق الله، مثل الصبر والمثابرة، لا الذكاء ولا المال ولا السلطة ولا حتى العلم. فالمثابرة واستمرار المحاولة هي ما تجعل الضعيف المثابر ناجحاً والقوي الكسول فاشلاً. تذكر دائماً أن الذين يصعدون للقمة هم أولئك الذين يرفضون الاستسلام لمصاعب الحياة والركون للأماني بأن حياتهم ستكون أفضل، والذين يستمرون في المحاولة والتعلم من الأخطاء، والبعد عن التشكي ولوم الظروف أو الآخرين.
عود نفسك الاستقلالية عن ظروفك البيئية الصعبة بالتفكير الإيجابي والثقة أن بإمكانك أن تعمل الكثير من خلال استثمار قدراتك التي وهبك الله إياها، والعمل على أن تكون لك إسهامات إيجابية في تغيير حياتك، وحياة من حولك إلى الأفضل. كن مشاركاً فاعلاً في مجتمعك وأسرتك، لا تقصر أهدافك على النواحي المادية (مع أهميتها بالطبع) ولكن تجاوز ذلك لأهداف تقدم فيها إضافة إيجابية لمجتمعك. وفي نفس الوقت لا تتأخر في البحث عن المساعدة عندما تحتاجها. اشعر الآخرين حولك، ممن تثق بهم، بما لديك من مشكلات، ولا تكبت الأمور بداخلك، فهناك من يهتم بك ويرغب في مساعدتك لتجاوز ما قد يعترض حياتك من أزمات.
قد تخرج من الأزمة أو المشكلة ببعض الجروح والإصابات (النفسية) وبعضها قد يستمر معك بقية حياتك، فنادراً أن يخرج الإنسان دون ذلك، ولكن مالا يصيبك في مقتل يجعلك أكثر قوة وقدرة على التعامل مع المستقبل بثقة وتفاؤل وأمل.
وختاماً فإن ثقتك بالله عز وجل وحسن الظن به والتوكل عليه وبذل جميع الأسباب الممكنة سوف يعينك على تجاوز حميع المصاعب والنهوض من العثرات ومصائب الحياة. وتذكر دائماً قول الشاعر:
ومن يتهيب صعود الجبال….يعش أبد الدهر بين الحفر

د. علي بن صديق الحكمي، مؤسسة علم النفس لحياتك @psych4you
بعض المراجع والقراءات للمهتمين بالموضوع
Alan Carr, (2011), Positive Psychology, the Science of Happiness and Human Strength.
Martin Seligman (2011), Flourish.
http://www.thepsychologist.org.uk/archive/archive_home.cfm/volumeID_21-editionID_155-ArticleID_1293
http://resiliencedefinition.com/define-resilience.html
http://www.apa.org/research/action/lemon.aspx
http://www.psychologytoday.com/print/24760