728 x 90



img

قد يكون الإنسان مصاباً بعجز حقيقي لأي سبب يمنعه من تحقيق أهدافه وهذه حالة طبيعية يستطيع التكيف معها والعيش حياة منتجة وسعيدة، ولكن قد يتعلم الإنسان العجز رغم توفر القدرة لديه، وهذا شعور يطلق عليه مصطلح العجز المتعلم أو المكتسب learned helplessness. فالعجز المتعلم هو شعور الإنسان بالسلبية وعدم القدرة على التحكم في حياته بينما حقيقتة غير ذلك، فهو شعور خاطئ بعدم القدرة وانعدام الكفاءة. وقد بدأ عالم النفس Martin Seligman سلسلة من الدراسات عن العجز المتعلم عام 1967 في جامعة بنسلفينيا، كامتداد لدراساته عن الاكتئاب، واستمر في تلك الأبحاث حتى ولد العلم الجديد، علم النفس الإيجابي عن طريق العالم نفسه.
هناك أمثلة عدة للعجز المتعلم، فالأداء السيئ المستمر للطالب في الرياضيات مثلاً قد يشعره بأن أي جهد يبذله لن يكون له أي تأثير على أدائه، وبالتالي يشعر مستقبلاً بالعجز عندما يتعامل مع أي مسألة رياضية، ليس بسبب نقص قدراته إمكاناته بل بسبب تراكم الاحباطات وانعدام التصميم والقوة الكامنة المحركة للأمام.
إن الشعور بالعجز قد ينبع من الذات وطرق التفكير وكيفية توظيف الإنسان لقدراته والتعامل مع الصعوبات التي تعترضه، فخوف الإنسان من النجاح وانعدام ثقتة في نفسه ورفضه تنمية قدراته تشعره بالعجز عن تحقيق أهدافه، ويستمر العجز ويتضاعف مع تقدم الزمن، ومع تعزز قناعات الإنسان بأنه عاجز، يستمر من فشل لآخر، فيعامله الناس بالفعل على أنه عاجز، ويخفضون توقعاتهم منه فينحدر إلى مزيد من الشعور السلبي عن الذات والتوقف عن المحاولة.
وينتج من شعور الإنسان بالعجز شحنات من الغضب والنقمة على الآخرين وعزو الفشل لأسباب خارجية عن الذات، كالاعتقاد بأن الآخرين يحاربونه أو يضعون العراقيل أمامه، ولا يتيحون له الفرص للنجاح. ولذلك فإن العجز المتعلم له علاقة بعدة اضطرابات نفسية منها الاكتئاب والقلق والفوبيا والخجل والشعور بالوحدة، فهو يحطم البنية النفسية للإنسان ويشل قدراته. ولنأخذ الشخص الخجول كمثال على ذلك، فقد تتكون لديه قناعة داخلية بأنه ليس بإمكانه التخلص من الخجل، فيتوقف عن المحاولة، ويصبح خجله أكثر حضوراً وتأثيراً في حياته، مما يقوده لأن يكون أكثر سلبية في التعامل مع مشكلاته الشخصية والاجتماعية والحياتية بشكل عام.
وبما أن العجز قد يكون شعوراً يتعلمه الإنسان، فإن من الممكن له كذلك أن يتعلم كيف ينعتق من ذلك الشعور إلى آفاق النجاح والإنجاز. إن بداية التغلب على العجز المتعلم تكون بتحديد الإنسان لجوانب القوة والضعف والمخاوف لديه والصعوبات التي يعتقد أنها تقف أمامه لتحقيق أهدافه، وعندها سيكتشف أن شعوره بالعجز مجرد أوهام. كما أن تغيير قناعاته نحو نفسه والتركيز على القدرات والإمكانات التي منحها الله إياه وتنمية ثقته بالذات والآخرين من أهم الوسائل الفعالة للتغلب على الشعور بالعجز.
ويعتبر تعلم الشخص الأساليب الصحيحة للتعامل مع صعوبات الحياة مثل الحصول على المساعدة عندما يحتاجها والنظرة الإيجابية للحياة والمجتمع والذات وتعلم مهارات الاسترخاء من العوامل المساعدة على التغلب على الشعور بالعجز. ومن تلك العوامل أيضاً تعلم استقلالية التفكير ومهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات والبعد عن تجاهل المشكلات وعدم التعامل معها في حينها.
وبما أن حياة الإنسان تمر بحالات من النجاح والإجازات، كما أنها تمر بحالات من الفشل كذلك، فإن تركيز الإنسان على ملاحظة نجاحاته والظروف التي تحققت فيها، تساعده على إعادة صناعة تلك الظروف والبناء على نجاحاته السابقة، فالنجاح يؤدي للنجاح، وبالتالي يسهم في تخليص الإنسان من الشعور بالعجز. وفي المقابل، فعندما يركز الإنسان على الإخفاقات التي مر بها في حياته، فإن ذلك سيصبغ حياته بالسلبية، ويشعره بأنها سلسلة متكررة من الفشل، مما يمنعه من المحاولة وبذل المزيد من الجهد لتحقيق أهدافه. فالعجز المتعلم ينتج غالباً عن تراكمات من الفشل والاحباط ولذلك فإن أفضل وسيلة للتخلص منه هو قبول أن الفشل والإحباط جزء من الحياة وأنهما فرص للتعلم وليسا نهاية المطاف.
الثقة بالنفس من الأسباب الرئيسية التي تساعد الشخص للتغلب على العجز المتعلم، فكل إنسان حباه الله بقدرات وإمكانات كبيرة، والثقة بالنفس والعمل المستمر والمثابرة والتصميم تبرز تلك القدرات والإمكانات وتجعلها واقعاً ملموساً في حياته، وتقوده من نجاح لآخر. كما أن توقف الإنسان عن لوم الذات، والانطلاق للعمل وتحقيق الأهداف هو الطريق للتغلب عن الشعور بالعجز، فاللوم لن يأتي بنتيجة إيجابية بل سيعززذلك الشعور، ولوم الآخرين أيضاً لن يحقق لنا شيئاً لأننا لا تستطيع التحكم في سلوكهم.
وفي حياتنا اليومية، قد نجد حولنا الكثير من الأشخاص الذين ينظرون للحياة نظرة متشائمة، وتسود السلبية أفكارهم، فهؤلاء يؤثرون على مشاعرنا ونظرتنا للحياة، بل أن بعض المهام الممكن النجاح فيها تتحول إلى معضلة ونفشل في إنجازها، ولذلك فإن الابتعاد عن أولئك الذين تسيطر السلبية على حياتهم وأفكارهم ويشعرونك بأنك عاجز ضروري للغاية للتغلب على الشعور بالعجز. فكن مع من يتمتعون بالتفاؤل والنظرة الإيجابية، فهم يحفزونك للعمل والإنجاز ويخلقون أجواءً سعيدة من حولك، فمرافقة الناجحين تدفعنا أيضاً للعمل وتحقيق النجاح.
وأخيراً فلنتذكر دائما دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، ولنكرره دائماً وخاصة عندما يواجهنا الشعور بعدم القدرة على العمل والإنجاز وتحقيق الأهداف

وفق الله الجميع لكل خير