728 x 90



img

إن الحج مدرسة تربوية إسلامية عامرة بشتى القيم النبيلة والدروس النافعة للفرد والمجتمع ، قال تعالى : ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى ضامر يأتينا من كل فج عميق ، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ” الحج 26 ، وقال تعالى : ” الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واثقون يا أولي الألباب ” البقرة 196 .
وقلما تجد مدرسة في دنيا الناس تجمع بين التعليم والتربية والصحة والوقاية والتثقيف والإرشاد ، وإن
وجدتها ألفيت مناهجها قاصرة ، لا تفي بحاجات الإنسان الفطرية والنفسية والروحية .
والحج هو أحد ينابيع السعادة الروحية وطريق تصفية النفس وترقية أحوالها والسمو بها إلى مدارج الكمال وإبعادها عن المواقف المادية ، وللمطالب النفسية والروحية شأن عظيم ومكانة عالية إذ هي التي تحدد خصائص شخصية الإنسان وصفاته السلوكية ومظاهر حركته الاجتماعية وأنماط تفاعله مع الناس ، ومعنى هذا أن طاقة الجسم وحاجته محكومة وموجهة من طرف الروح وحاجتها ، لذا يوصي الإسلام بأن تهذب الروح وتنقح وتصفى من كل أدران الجاهلية لتقوى على تحمل مسؤولية التوجيه والإرشاد .
وإن سلامة الإنسان العقلية والنفسية تعتمد أساسا على الارتباط الروحي القوي بالله عز وجل كي يقطع على الشيطان كل الإغراء والإغواء وما الحج إلا أحد أنواع هذا الارتباط القويم لكونه يرفع الإنسان عن قيود المادة ليسبح في آفاق روحية رحبة حيث الأمن والاطمئنان والسعادة الحقة ، إنها تبين السلوك الواجب إتباعه للحاج وأن تقصيره في إتباع أوامر الله تعرضه لإفساد محبة الله بالإضافة إلى ما يحمله من أوزار وآثام ..
وعبادة الحج تقضي على المشاعر المادية والدوافع النفسية المرتبطة بأطماع الدنيا ، لتصفو العلاقات بين الحجاج وتستقيم حياتهم الاجتماعية ، وهذا أمر طبيعي لأن انكسار شوكة المجتمع وخور قواه راجع لا ريب إلى غلبة الدنيا وإستلائها على القلوب ، والحج ينشئ في النفوس اليقظة هذه المشاعر الطيبة والإيحاءات ، بغية أن تنعكس في الواقع فتؤتي أكلها كل حين .
إن القيم الإنسانية التربوية التي تتجلى في الحج ، تعمل على إصلاح الباطن النفسي وهي النية التي تسبق كل عمل ، وإبعاد جميع الغشاوات الجاهلية عنه ، ثم بعد ذلك إصلاح الظاهر بالممارسة التطبيقية ، وهذا من أجل إعداد الفرد المسلم نفسيا وتربويا وعقائديا وروحيا ، ليقوم على أساس ذلك بناء سلوكي خارجي قوي ، شديد التماسك .
وفريضة الحج تربط الأصل بالفرع ، وأشعة النور بمصدر الضوء ، ولها من الآثار النفسية التربوية على سلوك الحاج ويكفينا أن نذكر القيم النفسية التربوية التالية :
1- الحج يجعل صاحبه يكف عن الكذب واللغو وقول الزور وماله علاقة بالحرام ، والمسلم لا يكون مسلما حقا إذا اعتاد الكذب وتزييف الأمور بل إن الإيمان لينتفي عنه كل الانتفاء ، فعن صفوان بن سليم قال : قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا قال : نعم ، قيل له أيكون المؤمن بخيلا ، قال : نعم ، قيل له أيكون المؤمن كذابا ، قال : لا . رواه مالك .
2- الحاج يتدرب طوال أيام الحج على تصفية نفسه وحملها على الطهر والصلاح كي يظفر بما ظفر به أهل الاستقامة والرشاد في الدنيا والآخرة .
3- لا ريب أن الذي يتحلى بخليقة الوقار يكون طوال حياته متواضعا ، وخاصة أثناء الحج فيخفض جناحه لإخوانه وأحبابه وسائر عباد الله الذين هم ضيوف الرحمن ، فلا يتطاول عليهم ولا يتظاهر أمامهم بعلمه وصلاته أو جسمه أو قوته أو نفوذه ، قال تعالى : ” واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين ” . الشعراء 215
4- الحج يلعب دورا عظيما في التوازن والاعتدال والقسط والقوامة ولو تمسك الحاج بأوامر الله تعالى وإتباعه للحسنات وفعل الطاعات واجتناب المنكرات والمعاصي والتهاون بالصالحات لتغيرت نفسه وارتقت به إلى نفوس الطاهرين الفائزين ويتخلص تماما من أمراضه وأسقامه ونقائصه