728 x 90



img

عزيزي القارئ: قد تجد مشكلتك بين سطوري لأنها مشكلة يعاني منها الكثيرون الآن ولكنها تتنوع في صورها طبقا للبيئة الاجتماعية لكل فرد، والعجيب!! أن طرفي المشكلة على صواب فلا مخطئ فيها ولكنهم بحاجة لإيجاد تقارب بينهما، وأعتقد أن المسمى الأنسب لها هو الفجوة بين الأجيال.
وتعد أهم عوامل ذلك التباعد بين جيل الآباء وجيل الأبناء، تطور الحياة الآن بكل مناحيها مما أثر على تغير فكر الشباب ومشاعرهم وسلوكياتهم بما يتناسب مع عصرهم الحالي، فبرزت الفجوة الفكرية في التفكير والقناعات والعادات والتقاليد التي اختلفت تماما عن سابقتها، وكذلك تبدل أنماط الحياة وأساليب المعيشة كالنوم مبكرا الذي تغير إلى السهر متأخرا ومن المشي يوميا للعمل والدراسة إلى امتلاك السيارة ومن الحفاظ على التجمع الأسري على الغداء إلى تناول الوجبات السريعة في أقرب مطعم ومن قراءة الكتب لإدمان الهواتف والأجهزة اللوحية ومن الاكتفاء بنصائح الوالدين والجدود إلى الحرص على حضور الندوات والورش المتنوعة، ومن الانحصار في البيئة الاجتماعية المحافظة لانفتاح على الثقافات المتعددة سواء من خلال الانترنت أو الصداقة الفعلية علاوة على المصطلحات والألفاظ المستجدة والأمثلة كثيرة، هذا بالإضافة إلى الفجوة العمرية التي اتسعت هوتها بسبب تأخر الشباب عن الزواج وعزوف البنات عن دخول عش الزوجية قبل أن تحقق طموحاتها التعليمية والوظيفية.
كل ذلك وأكثر صنع بيئة متلاطمة من الأفكار والرغبات والتصرفات المتناقضة بين الجيلين والأدهى من ذلك هي حالة العناد المنتشرة بين طرفي الأزمة وتمسك كل طرف بفرض آرائه على الطرف الآخر مع ازدياد الشعور بأن عدم استيعاب الرأي الآخر يدل على ضيق الأفق عند الآباء والأمهات أو تهور واندفاع الابن في سلوكياته وعدم إدراكها لصواب رأي والديه، ويحضرني هنا ما يقوم به الأبناء من ممازحات مع الآباء والأمهات ولوجود الفجوة فان الكثير منهم يأخذ الأمور على محمل الجد وقد يغضب على الابن ويقوم بلومه وعتابه على الأمر برمته واعتقد هنا أنه لو وجد التقارب والصداقة بين الوالدين وأبنائهم لاطفوا روح المرح على الموقف لأن الصداقة والمرح بين الجيلين في الأسرة الواحدة هو أهم وأقوى مما بين الأصدقاء خارج الأسرة.
ولنكن واقعيين، فالطرفين على صواب لأن كل طرف يتأثر فيفكر فيتعايش بالفترة الزمنية التي نشأ بها، فلو طبقنا نفس النظرية على جيل الشباب الحالي سنجده بعد سنوات عديدة سيعامل أبنائه بما عايشه هو في فترته الحالية ولن يلتفت لاختلاف جيله عن جيل أبنائه.
والحل يقع على كاهل كلا الطرفين مع التنبيه على انه لابد من الالتزام بطاعة الوالدين والأخذ بنصائحهم وإسعادهم، وكذلك لابد أن ندرك أنه لا حل نهائي لهذه المشكلة وذلك لأن لكل جيل قناعات يصعب وقد يستحيل تغييرها، فنحن بحاجة للتقارب بين وجهات النظر عبر حوارات الأجيال وهذا من خلال عقد ندوات وورش عملية يشترط فيها وجود الأب وابنه أو الأم وابنتها حتى تكون التطبيقات العملية هي خير دليل أمام نظر الطرفين مع حتمية تعرف وتبحر الآباء في مستجدات العصر الحالي لمسايرته فما كان في الماضي وإن كان أجمل لا يناسب العصر الحالي والعكس الصحيح، وكذلك يقع نفس الأمر على الأبناء من محاولة توضيح مقتراحاتهم ومبرراتها للوالدين عبر لغة النقاش والحوار البناء المؤدي لنتائج إيجابية واقعية ملموسة مع مراعاة آداب الحوار معهم فحقهما من بر وطاعة يحتم ويسبق أي تفرعات أخرى مع ضرورة ترحيب الآباء لسماع وجهات نظر أبنائهم وعدم التقليل والاستهانة بها بل تحفيزهم على فتح أبواب للنقاشات الهادفة مما يولد شخصية قيادية شبابية ناجحة.
وأخيرا: الجمود العاطفي وعدم الاهتمام المتبادل يزيد الأزمة تعقيدا فانغماس الآباء والأمهات في العمل وانغماس الأبناء في الدراسة فيستيقظ على المحاضرة الجامعية ويعود إلى غرفته دون الحصول على الدفء الأسري يؤثر بالسلب ويزيد الأمر عنادا، لكل أولياء الأمور: ليكن منح أسرتك الأمان النفسي والعاطفي والاجتماعي هي أول اهتماماتك، ولكل الأبناء اقتربوا من والديكم أكثر فأكثر واستلهموا منهم الطاقة والانطلاقة للأمام ولا تفصلوا عالمكم عن عالمهم بل ناقشوهم واستشيروهم فهم خير عونا لكم بعد الله سبحانه وتعالى وتأكدوا بان صداقتكم لهم هي الأدوم على مر السنين وبها تضيق وقد تردم الفجوة برمتها.

بقلم : دانا ربيع التابعي