728 x 90



img

كثير منا اليوم يحتقر نفسه ، ويقلل من قدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يصيبه بالإحباط والعجز ، ومن ثم يشعر أن النجاح والتميز قد خلق لأجل الآخرين من القادة والعظماء ، وليس له هو لأنه لا يستحقه ، ولذلك فهو يقبل ويرضى بكل شيء وينتظر ما تأتي له به الأيام في سلبية وخنوع واستسلام دون أن يصنع لنفسه أهدافا عظيمة يسعى لتحقيقها .
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من احتقار الإنسان لننفسه ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ عَنْ أمرٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : مَا مَنَعَكَ رَأَيْتَ كَذَا وَكَذَا أَلا تَفْعَلَ فِيهِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ خِفْتُ ، فَيَقُولُ : أَنَا كُنْتُ أَحَقُّ أَنْ تَخَافَ " رواه أحمد .
لماذا نقلل من شأن أنفسنا ، ونحتقر ذواتنا ، مع أن ذلك لا يمت إلى ديننا بصلة ، وهنا يقع كثير من المؤمنين ضحية الفهم الخاطئ لقضية أخرى ، إذ يخلطون بين الكبر وتقدير الذات من ناحية ، ثم بين التواضع المحمود وبين احتقار الذات من ناحية أخرى .
فالكبر احتقار الناس مع رد الحق وإنكاره ، وهذا عند الله عز وجل من أعظم الكبائر ، أما تقدير الذات أو الثقة بالنفس فهو أن يعرف العبد ما حباه الله به من هبات وإمكانات لتحقيق الخلافة في الأرض ، ويعتقد جازما أن هذه المواهب إنما هي محض فضل الله ومنته ، فلا يركن إلى النعمة وينسى المنعم سبحانه وتعالى .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على زرعه في نفوس أصحابه ، وليس أدل على ذلك من هذه الألقاب العظيمة التي كان صلى الله عليه وسلم يطلقها على أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، فليقلب أبا بكر بالصديق وعمر بالفاروق ، وخالد بسيف الله المسلول ، وأبا عبيدة بأمين هذه الأمة ، وحمزة بأسد الله ، وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم كثير من صحابته الكرام ، ممن رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على عينه ، فجمعوا بين تقدير الذات والثقة بالنفس الدافعة إلى معالي الأمور وبين التواضع وخفض الجناح للمؤمنين .
وأما احتقار الذات المعجز للنفس الذي يدفع إلى الفشل واليأس والإحباط فليس من ديننا العظيم في شيء .
لا تعذب نفسك ولا تجلدها بسياط اللوم ، والتقريع والتوبيخ ، لا تنصب لها المحاكمة على كل صغيرة تحدث لك كل يوم ، هناك أحداث عابرة وأحداث بسيطة تحدث لنا في الحياة اليومية ، لو حاسبنا أنفسنا عليها لتجمعت هذه المحاسبات ، وتجمع لدينا الندم ، وعصف بنا الألم ، حتى يتسبب في جرح كبير وغائر ، فيتجمع فيه صديد المعاناة النفسية يوما بعد يوم ، ولربما فعل في النفس خراجا كبيرا لن نتخلص منه إلا بعملية جراحية كبيرة أي بمعاناة شديدة ، ولعذبنا أنفسنا دون مبرر ، ولسلبت منا طاقتنا دون داع ، ولن نستطيع أن نقوم بأعباء الحياة المناطة على عاتقنا .
لا تندم على ما فاتك ، ولا تندم على أقوال أو أفعال فعلتها ، فالندم هزيمة ووساوس نفسية ، فلا تمكنها من نفسك ، وعش حرا من مشاعر الحسرة والألم والندامة واستعن بالله .

الدكتور / العربي عطاء الله قويدري
إستشاري في الإرشاد النفسي والأسري