728 x 90



img

يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات من خلال اللغة المتميزة ، والتاريخ الذي يحمله كخبرات يستعين بها في تعامله وتغييره للواقع من حوله ، والضحك والإضحاك أيضاً .. والضحك عملية شديدة التعقيد وواحدة من وظائف القشرة الدماغية المتطورة . ويستلزم الضحك إدراكاً وحساسية للأمور التي تطرأ في حياة الإنسان ومعانيها ، ويحدث الضحك بعد حدوث إدراك معين يعمقه الاستدعاء والربط والتفسير ، ويؤدي الإدراك إلى انفعال يتحول إلى انقباضات متتالية في عضلات الوجه والصدر والبطن وإلى اهتزاز الجسم كله والقهقهة وربما التصفيق والانحناء وهز الرجلين والانقلاب على الظهر في بعض الأحيان . وتتعدد الفرضيات والتفسيرات التي قدمها الفلاسفة والعلماء لموضوع الضحك .. ومنها : 1- الضحك هو ممارسة عدوانية في جوهرها حيث يحس الضاحك أن المضحوك منه أقل منه شأناً وأقل قيمة وفي ذلك استعلاء وشعور بالتفوق يعوض عن مشاعر النقص . وهذه العدوانية ليست مذمومة إلا حين تعمد إلى إيذاء مشاعر الآخرين وجرحهم .. وهي مقبولة في إطار الضحك والإضحاك ومتعارف عليها على أنها مزاح وفكاهة وليست جداً . وهذه الفرضية قديمة ولكنها مؤثرة وباقية وقد قال بها أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى فولتير وغيره . 2- الضحك ينشأ بسبب التناقض بين الشيء أو الأمر الحادث وبين مااعتدنا أن يكون عليه . ويفسر ذلك أن الضحك ينتج عن المفارقة والتناقض وغير المتوقع أو المضخم أو غير المألوف أو سوء الفهم والتفاهم الاعتيادي . ويؤكد الفيلسوف الفرنسي برجسون هذه النظرية في كتابه النادر الضحك عام 1924، وأيضاً غيره من الفلاسفة. 3- الضحك ينشأ بسبب إرتخاء مفاجئ وتفكك مؤقت في مناطق الضبط النفسي بسبب التوتر والإحباط والعقد التي نحملها في داخلنا والتي تنتج عن ضغوط الضمير والقيم وغيرها من الضغوط ، ويأتي المثير الخارجي للضحك ليفتج المجال لإزالة التوتر والشحنات الانفعالية المتنوعة بداخلنا. وقد بين التحليل النفسي الفرويدي أن الضحك يشبه الحلم من حيث تحلله من القيم والممنوعات وأنه كلما زادت الضغوط كلما احتاجت تركيبتنا النفسية إلى التخفيف منها بعدة وسائل ومنها الأحلام والضحك . وفي ذلك نكوص مؤقت إلى مرحلة طفلية بما فيها من أحلام براقة وخيالات سعيدة جميلة . ويمكن أن يصبح هروباً من الواقع ومرضاً . كما يمكن أن يكون نضجاً وقوة ونوعاً من السمو الأخلاقي والذي يجعل الإنسان يواجه مواقف الحياة الصعبة بروح الهزل والاستخفاف وعدم الاكتراث ” الفيلسوف الساخر ” . 4- الابتسام والمرح والضحك والبشاشة والفكاهة والمزاح والدعابة والهزل والكوميديا كلها تصدر عن طبيعة واحدة في النفس البشرية المتناقضة حيث تمل الجد والصرامة والعبوس وتبحث في الفكاهة عن منفذ للتنفيس عن آلامها وواقعها ولو مؤقتاً مما يعيد التوازن النفسي ويؤدي إلى أداء أفضل ، وهو استراحة واسترواح ، ونشوة تنتج عن تقبض العضلات وتفريغ التوتر الجسمي والنفسي . وهذا رأي شائع ومنطق عام يؤيده كثيرون . ويطرح بعض الأدباء والفلاسفة نظريات خاصة عن الضحك مثل : ” إن الإنسان هو الأشد ألماً بين المخلوقات الأخرى لأنه يعي أنه سيموت ولذلك كا لابد له من أن يخترع الضحك ( نيتشه الفيلسوف الألماني وقد مات منتحراً في سن الشباب ). ويقول مارك توين الكاتب الأمريكي الساخر : ” إن روح الفكاهة ذاتها تجد مصدرها السري في الحزن لا في الفرح ، فليس هناك فكاهة في الجنة “.