728 x 90



img

لا يخلو شخص على سطح الأرض إلا وتعرض لموقف ضاغط شكل له أزمة في مرحلة من مراحل حياته، وتختلف طريقة التعامل مع الأزمة باختلاف البنية النفسية للفرد؛ حيث نجد أشخاصا قد صمدوا أمام الأزمات والضغوط، وآخرون لم يتمكنوا من الصمود وأصيبوا باضطرابات نفسية أعاقتهم عن العيش بطريقة سوية، ومن الأسباب الأساسية التي مكنت هؤلاء الأشخاص من التغلب على الظروف الصعبة هو المرونة النفسية والقوة النفسية التي تميز شخصياتهم، ومحور حديثنا هنا هو المرونة النفسية؛ حيث سنتعرض لمفهومها، ثم نعرض بالشرح والأمثلة ما ذكره أستاذ علم النفس الدكتور ناصر أبو حماد عن مظاهر المرونة، وكيف يكتسبها الفرد ليستطيع التعامل مع الأزمات والمواقف الصعبة.
ما هي المرونة النفسية؟
هي القدرة على مواجهة الشدائد والصدمات والتهديدات والأحداث الضاغطة مع اكتساب خبرة كبيرة تمكن الفرد من التعامل مع أحداث مماثلة بكفاءة وفاعلية، ومن ثم العودة إلى الوضع الطبيعي والسوي بعد التعرض لهذه الأحداث.
مثال: الزوجة التي تعرضت للطلاق، في البداية تشعر بالصدمة والضعف والمعاناة، ولكنها تستطيع مواجهة هذا الحدث الضاغط، وتتعامل معه بكفاءة لتستطيع العيش بطريقة سوية، وتستعيد نشاطها مرة أخرى، وتمارس أنشطتها اليومية بكفاءة وفاعلية.
مظاهر المرونة:
هناك بعض المؤشرات التي لو وجدتها في نفسك، أو في شخص ما، تستطيع الحكم عليه بأنه مرن نفسيا، ويستطيع مواجهة المواقف الصعبة بفكاءة وفاعلية. وهذه المؤشرات هي:
1- الحركة والفاعلية (الدينامية):
ويقصد بها التفاعل المستمر بين الفرد والبيئة والحدث الضاغط، بما يساعد على مواجهته بشجاعة.
فعند تعرض الشخص لمشكلة ما، فإنه يواجهها بشجاعة ولا ينسحب منها، بل يحدث بينه وبين الحدث الذي حدث في محيط البيئة تفاعل إيجابي يؤدي في النهاية إلى حل المشكلة.
مثال: الطالب الذي أخفق في الاختبارات ورسب، تجده يواجه ذلك بشجاعة ويعرف سبب إخفاقة، ويبحث عن حلول لتفادي هذه المشكلة مستقبلا.
2- تغير إيجابي بعد الصدمة:
حيث يحدث نمو وتغير إيجابي لدى الشخص، والتغير في الأداء بشكل أفضل نتيجة للتعرض للحدث.
مثال: حينما يخفق الشخص في تحقيق هدف كبير، فإنه يعد صدمة بالنسبة له وبالتالي تتغير نظرته للأمور المتعلقة بهذا الهدف ويتغير تفكيره وأدائه وبالتالي ينجح في محاولة أخرى،
ومثال على ذلك: مايكل جوردون لاعب السلة الأمريكي حينما تم طرده من فريق السلة بالمدرسة، كان ذلك بمثابة صدمة كبيرة له أحدثت تحولا نوعيا في حياته؛ حيث حاول مرة أخرى بمنظور مختلف ورؤية مختلفة وأداء أفضل فكان أن أصبح اللاعب الأفضل في العالم.
3- قدرة الفرد على التكيف والتوفيق بين الضغوط الداخلية والخارجية، وإظهارسلوك إيجابي يلبي احتياجاته
مثال: الشخص الذي نضج جنسيا ويريد إشباع حاجته للجنس، فهو يتعرض لضغوط داخلية حيث يريد إشباع هذه الحاجة، ويتعرض لضغوط خارجية تمنعه من إشباع هذه الحاجة بطريقة غير مقبولة، وبالتالي فهو يتكيف مع الأمر عن طريق الصوم مثلا، أو ممارسة الرياضة، أو الزواج. ونذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم "من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
4- التفاؤل برغم الصعوبات:
بالرغم من تعرض الفرد لصعوبات وأزمات تهدد استقراره، فإنه يكون متفائلا بأن الأفضل قادم مع اجتهاده وعمله لتحسين واقعه وتحقيق الأفضل.
مثال: سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، أثناء حفر الخندق، كان يبث الأمل والتفاؤل في نفوس الصحابة حينما كان يكسر الصخرة الكبيرة ويقول: "الله أكبر أعطيت سوار كسرى".
ولذلك حينما يتعرض الفرد لأزمة شديدة، عليه أن يبتعد عن التفكير السلبي، ويتوقع حدوث أشياء سيئة، بل عليه أن يركز على الحلول؛ لأن التركيز على الحلول يولد مشاعر إيجابية لدى الفرد تمكنه من التعامل مع واقعه بإيجابية.
5- التصرف بفاعلية بالرغم من القلق:
لا شك أن الحدث الضاغط يولد قلقا لدى الشخص، ولكن إذا أمكن استثمار هذا القلق في تحسين الأداء فإنه حتما سيتصرف بإيجابية ويصل لهدفه.
مثال:
1- لاعب الكرة حينما يكون تحت ضغط نفسي وهو الفوز بالمباراة، فإنه يستثمر القلق الإيجابي في تحسين أدائه وبلوغ أهدافه.
2- الطالب الذي يستعد لدخول الاختبار، يكون لديه قلق، وهذا القلق إذا لم يزيد عن حده المطلوب فإنه يكون قلق إيجابي يحفز الطالب لأداء الاختبار بطريقة مميزة تمكنه من الحصول على درجات مرتفعة.
6- السلوك الاجتماعي التكيفي:
مثل: الإيثار، والولاء والعمل الاجتماعي. وهذه قيم يتم غرسها في نفوس الأطفال والكبار على حد سواء.
ومثال على ذلك، موقف المواطنون القطريون من الأزمة السياسية التي حدثت بين قطر وبعض الدول المجاورة، والحصار الذي تم فرضه عليها، وجدنا قطاعا كبيرا من الشعب يتمتع بهذا المظهر من مظاهر المرونة النفسية، حيث تكاتف جميع المواطنين والتفوا حول قيادتهم السياسية، وأظهروا دعما كبيرا لها، وقاموا بتدوال رسائل طمأنة فيما بينهم بأن الأزمة سيتم حلها.
استراتيجيات بناء المرونة النفسية:
1- الكفاءة الذاتية:
وهي أن يمتلك الفرد القدرة على النجاح رغم التحديات التي تواجهه، وتطلب الثقة بالذات والإيمان بها، ويتبنى الشخص نظرة إيجابية لذاته، وكذلك الاعتناء بالنفس، وتقدير الذات ومشاعرها وأفكارها، والقيام بأنشطة تسعد النفس.
2- التكيف مع الأحداث:
وذلك من خلال البحث عن طرق للتغلب على الأحداث الضاغطة، وذلك من خلال التركيز على الحلول بدلا من التركيز على المشكلة.
3- الرؤية الشخصية:
حيث يتعرف الشخص على أفكاره ومعتقداته، ويحدد أهدافه ويعرفها جيدا، ويمتلك القدرة على التخطيط لمستقبله. ولذلك على كل شخص يريد أن يتحلى بالمرونة النفسية أن يحدد دائما ماذا يريد، وما هي أهدافه، وكيف يمكن التخطيط لتحقيق تلك الأهداف، لأن كل ذلك يساعد الفرد على اكتساب الثقة بالنفس، والقدرة على مواجهة الأزمات بكفاءة وفاعلية.
4- التنظيم:
حيث يمتلك الفرد القدرة على تنظيم وترتيب أولوياته، وتنظيم وإدارة الوقت؛ لأن ترتيب الأولويات وحسن إدارة الوقت تحسن من كفاءة الفرد في التعامل مع الأحداث الضاغطة دون الوقوع في فخ الاضطرابات النفسية التي تعيق استمتاعه بالحياة.
5- حل المشكلات:
حيث يتعرف الشخص على استراتيجيات حل المشكلات، والتدريب على حل المشكلات، والنظر للمشكلات على أنها فرصة للتعلم والتدريب واكتساب الخبرات. وعندما ينظر الفرد للمشكلة على أنها فرصة للتعلم فإنه يتعامل معها بإيجابية وبنوع من التحدي ويستمتع بذلك، وفي النهاية يصل إلى حلول مرضية له.
6- القدرة على فهم مشاعر الآخرين واحترامها واستيعابها:
فالفرد المسؤول عن أسرة أو موظفين داخل مؤسسة يجب أن يمتلك القدرة على فهم الآخرين والتعاطف معهم، وأن يكون قدوة لهم من حيث طريقة التعامل مع المواقف الضاغطة، وأن يبث في نفوسهم روح التحدي والتفاؤل والعمل على إيجاد بدائل وحلول لهذه التحديات التي يواجهونها.
7- اتخاذ قرارات حاسمة والشجاعة في مواجهة الأزمات:
وفيها يتم تدريب الفرد على كيفية اتخاذ القرارات الحاسمة دون تردد أو خوف، وإدارة الأزمات بفاعلية. وهذا التدريب لن يأتي إلا بالتعامل المباشر مع المشكلات ومواجهتها بشجاعة، والبحث عن حلول. والفرد منا ينبغي أن ينظر إلى الأزمة على أنها أمر واقع لا يمكن الهروب منه، وعليه عدم الاستغراق في التفكير السلبي تجاهها، بل يبدأ في إيجاد الحلول والبدائل التي تمكنه من تجاوز هذه الأزمة.
8- القدرة على صياغة الأهداف:
يجب على الفرد أن يتدرب على صياغة الأهداف بطريقة مثلى، وأن يضع أهدافا يومية يستطيع من خلالها استثمار يومه استثمارا أمثل، وكلنا نعرف أن شروط الهدف الجيد، أن يكون محدد، وقابل للتحقيق، وقابل للقياس، وأن يكون واقعيا، وله إطار زمني محدد.
9- إرادة التغيير وتقبل الوضع في نفس الوقت:
تقبل الظروف التي لا يمكن تغييرها تساعد في التركيز على ظروف أخرى قابلة للتغيير والسيطرة. وهذا الأمر مهم جدا، لأنه أحيانا نتعرض لظروف لا يمكن تغييرها، مثل الإصابة بمرض مزمن، أو التعرض للحروب، فإن هذا الأمر لا يمكن تغييره، ولكن يمكن تقبله، والتعايش معه، مع البحث عن سبل لتحسين الوضع الراهن.
فمثلا: في مناطق الحروب، نجد أن البعض قام بالهجرة من مناطق الصراع، والبعض الآخر فضل البقاء مع التعايش مع الوضع الراهن، وهكذا.
10- التفاؤل:
يجب أن يتعود الفرد على التفاؤل دائما؛ حيث لا يفقد الأمل ويكون مستبشرا وملتمسا للخير فيما هو قادم مع العمل الدءوب، من أجل تحقيق الأهداف.
لكي نتحلى بالمرونة النفسية، علينا أن نمارس ونطبق الخطوات العشر التي تم ذكرها، وهذا لا ينطبق فقط على الكبار، بل يمكننا تدريب أبناءنا، ليتمتعوا بالمرونة التي تساعدهم على مواجهة الأزمات، وتخطيها بنجاح دون التعرض للصدمات والاضطرابات النفسية.

أ:محمد كمال.