728 x 90



img

يخلد العالم في مطلع شهر أكتوبر يوما عالميا للمسنين، فهل يكفي يوم واحد في السنة لتكريم هذه الفئة التي كرست حياتها كلها لخدمة أهلها ومجتمعاتها؟ وكيف كرمها الدين الإسامي واهتم بها؟ تعتبر الشيخوخة مرحلة أخيرة يختم بها الإنسان رحلة حياته قبل التحاقه ببارئه، وهي أصعب مرحلة يجتازها الفرد لما يتخللها من الضعف والهوان، فهي مقترنة بالاستهاك التدريجي للأعضاء وبالتغيرات الحيوية التي تطرأ على الجسم، فالمسن يعاني من ضعف جسمي عام في الإحساس، والعضلات والعظام، وينعكس ذلك أيضا على الجانب النفسي والاجتماعي. كما أن حالته النفسية تكون جدا متوترة، حيث يؤثر ذلك على علاقاته الاجتماعية إذ يصعب عليه التكيف والتوافق مع مستجدات الحياة، ومع عدة أجيال قال تعالى « ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون » سورة يس، الآية: 68 . ومع كل هذه المعاناة فإن المسن يتميز بنضوج علمي، وثراء فكري، وخبرة ذاتية جد واسعة، حيث إنه يفهم الحياة فهما واقعيا، وينظر إليها نظرة علمية، لذا نجد خير إنتاج أكابر العلماء في مرحلة الشيخوخة، فيا حبذا لو استثمرت مهاراتهم فيما يعود على المجتمعات بالخير، لكن التهميش الذي تتعرض له هذه الفئة تحرم الأمم من خير كثير هي في أمس الحاجة إليه. هذه العوامل كلها جعلت الأمم المتحدة تعقد عدة مؤتمرات وندوات، ابتداء من سنة 1982 لمعالجة قضايا المسنين، ولتحسين مستواهم الصحي والنفسي والاجتماعي، ولدمجهم في مسيرة التنمية، لكن النتائج التي أسفرت عن تلك المعاهدات تبقى هزيلة لا تؤدي الغرض
أمام متطلبات المسن المستمرة، خاصة ما يتعلق بالجانب النفسي والعاطفي. فالعالم المادي اليوم ينظر إلى المسن على أنه مستهلك لا ينتج، فقد توفي مسن تجاوز التسعين عاما في دار خاصة بالمسنين في مدينة سابور بجزيرة هوكايدو ولم يشعر أحد من العاملين بوفاته إلا بعد خمسة أيام، ومات رجل مسن في لندن في شقته وله خمسة أولاد ولم يعلم أحد بموته إلا بعد ستة أشهر، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عجز القانون الوضعي على احتواء هذه الشريحة، وتحقيق متطلباتها. التكريم الإلهي وسام شرف، نفخر به أمام من جحد وأنكر هذا الدين الكريم الذي لم يستثن من تكريمه لا شيخ ولا عجوز، بل أعطى هؤلاء من الحقوق ما لم يعط لغيرهم، وشدد على تطبيقها حتى لا تضيع هذه الفئة المغلوبة على أمرها، فالمسنون هم إما آباؤنا أو أمهاتنا أو أجدادنا، وقد عظم الله سبحانه وتعالى حق الوالدين في القرآن الكريم، وقرنه بأعظم الحقوق ألا وهو حق رب العالمين قال عز من قائل: « وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما . » سورة الإسراء، الآية: 23
ورسخت السنة العطرة هذا المعنى في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم، بأقوال الرسول الحبيب، وبأفعاله فقد قال صلى الله عليه وسلم « إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم » رواه أبو داود.