728 x 90



img

كثر من مشاكلنا الزوجية يعزى سببها إلى عدم إشباع الزوج زوجته أو الزوجة زوجها بالحاجات الأساسية التي يحتاجها كل رجل وامرأة في مختلف مراحل حياتهم الزوجية. مع العلم أن هذه الحاجات ليست مقتصرة على الأزواج لوحدهم بل هي هامة لكل إنسان كبير وصغير طفل ومراهق موظف ومدير وزبون. وللأسف نجد كثيرا من الرجال أو النساء مغيبين فعليا عن فهم هذه الحاجات، وإذا ناقشت بعض الرجال مثلا وقلت لهم أنتم لم تعطوا زوجاتكم ما يحتاجون من الحاجات الإنسانية الأساسية فكيف تطلبون منهنّ أن يعطينكم الحاجات الإنسانية الأساسية!! ستجدهم يردون نحن لم نقصر معهم أعطيناهم بيوت وسيارات وخدم ونطعمهم أفضل الأطعمة والأشربة .. الخ. وكأن الحياة الأسرية والزوجية تقتصر على الطعام والشراب والمال والرفاهية!!
لذلك أعزائي القراء إن من أساسيات الحب الذكـــي والذي يرغبه كل واحد منا لكي تعم السعادة في بيته، أن تتعلم معي قانون الحــب !! وكيفية تطبيقه في علاقتك مع زوجك. فما هو قانون الحبّ؟
يمكننا أن نلخص قانون الحب بالحاجات الإنسانية التي وضعها العالم ماسلو في الهرم التالي والتي يوضح أهم الحاجات الإنسانية التي يحتاج أن يشبعها كل إنسان وبالأخص كل زوجين. وإذا لم تشبع أحد هذه الحاجات ستنشب المشاكل بين الطرفين لأن أحد الأطراف يسعى لإشباع أحد هذه الحاجات الإنسانية الأساسية.

أول حاجة يحتاجها كل إنسان وخاصة الزوج والزوجة هو:(الحاجات الفسيولوجيـة) والتي تتمثل بالطعام والشراب والنفس والراحة والنوم والجنس. وهذه الحاجات الفسيولوجية نادرا ما نجد الأزواج يقصرون فيها مع زوجاتهم، وبالعكس نجد كثيرا من الأزواج يجتهدون فيها كثيرا وفي تلبيتها للزوجات، ويبالغون بها على حساب الحاجات الأخرى وكأنها هي الأساس والأهم في الحياة الأسرية. فهل الحياة الزوجية يا ترى هي مقتصرة على الطعام والنوم والمال والرفاهية والجنس.. ؟؟

وثاني حاجة يحتاجها الزوج أو الزوجة من أجل الوصول للحب الذكـي وتحقيق الاستقرار الأسري، هو:(حاجـة الأمـن والسلامـة). فالمرأة تسعى لأن تكون آمنة في بيتها فلا تحب أن تتعرض للضرب أو الإهانة أو الصراخ من زوجها، ولا يجوز في الحب الذكي أن تسمع الزوجة من زوجها كلمات التهديد (بالزواج الثاني)، ولا يصح أن يرجع الزوج لبيته سكرانا من شرب الخمر ويقوم بضربها وإهانتها، وفي الصباح عندما يعود لوعيه يقول لها أنا آسف لم أكن واعيا بتصرفاتي!!
وفي الجهة المقابلة الرجل يسعى لأن يشعر بالأمان في بيته عندما يعود إليه ويحب أن يشتاق لبيته وزوجته. فلا يحب الزوج أن يشعر بأنه مهان في بيته من قبل زوجته، أو يتعرض للتحقيقات شبه اليومية من زوجته عن تأخره والأماكن التي كان فيها قبل عودته للبيت، ولا يجوز في الحب الذكــي أن تشك الزوجة في زوجها باستمرار كما لا يصح أن يترك الزوج أبواب الشك مفتوحة أمام أعين زوجته بل يطلب منه أن يغلقها مباشرة ولا يتمادى حتى لا يدخل الشيطان بينهما، قال تعالي:(ولا تتبعوا خطوات الشيطان) .

وأما الحاجة الثالثة والتي يحتاجها الزوج أو الزوجة من أجل الوصول للحب الذكـي وتحقيق الاستقرار الأسري، فهو: (حاجـة الانتمـاء والحـب).
فالمرأة تحتاج أن تسمع كلمات الحب والمدح والغزل من زوجها، وتشتاق أن تلاحظ زوجها ينتمي إليها فلا يوجد في حياتها إلا زوجته (أم ...)، وتحب أن تشاهد زوجها يرفع من قيمتها أمام الضيوف والأقارب وأهل الزوج وأهلها فلا يفضح عيوبها أمام الناس، وهذا كله من أساسيات قانون الحب ومن أساسيات الحب الذكــي والذي يجلب لنا الاستقرار الأسري.
كما أن الرجل يحتاج لأن يشعر بأن زوجته تنتمي إليه حق الانتماء فهي تدافع عنه في المجالس المختلفة، ولا تسمح لأحد أن يتطاول عليه في غيابه، كما يحب الرجل أن يسمع من زوجته كلمات المدح في رجولته وعظيم إجازاته الوظيفية والأسرية والعلمية، ومن أهم بنود الحب الذكــي هنا أن تقصر المرأة حبها على زوجها فقط فانتمائي يجب أن يكون له وحده فهو زوجي وأبو عيالي وشريك حياتي ومقر استقراري..
أعزائي القرائي فليسأل كل واحد منا نفسه السؤال التالي:(هل أشبعنا نحن كأزواج أو زوجات الطرف الآخر بحاجة الانتماء والحب حق الإشباع أم تشوبها شائبة؟؟)، إذن فليراجع كل منا نفسه ويقوم سلوكه لمصلحة بيته وزوجته وأولاده، ولنبدأ بعد قراءة هذا المقال بالتغيير والبدء بتطبيق قوانينه وبنوده وعندئذ ستشعر بالسعادة الزوجية.

وأما الحاجة الرابعة والتي يحتاجها الزوج أو الزوجة من أجل الوصول للحب الذكـي وتحقيق الاستقرار الأسري، فهي:(حاجـة تقديــر الــذات).
تخيــل معــي نفسك وأنت تجلس في مجلس عام وحولك عدد من الأشخاص، وبينما أنت تتكلم معهم ظهر أحدهم وقال لك اخرس أنت لا تفهم في هذه المواضيع لماذا تتحدث فيها!! ممكن أن تصف لي شعورك في هذا الموقف، وكيف سيكون نسبة تقديرك لذاتك في نفس الموقف؟! ستكون النسبة منخفضة والشعور سيء .
فيا ترى كم مرة قام تصرف بعض الرجال بهذا الأسلوب مع زوجاتهم، وكم مرة أهانوهم وأضعفوا من تقديرهن لذواتهن. فالمرأة بحاجة من زوجها أن يحترم ذاتها، ويقدها ويستشيرها في الأمور المختلفة ويسمع رأيها بشغف ويحترم كلامها حتى لو لم تعجبنا نحن كرجال، كما لا يجوز في الحب الذكــي شتم الزوجة وانتقاص شخصيتهــا.
إنهن بحاجة لأن نجالسهم ونشركهم في الحوار والنقاش وفي طرح الحلول لمشاكلنا العائلية أو طرح الآراء الناجحة لزيادة الحب والاستقرار الأسري.
وهذا كله ينطبق على الزوج والذي يحب أن تُقدّر ذاته من قبل زوجته فلا يسمع الشتائم منها، أو يسمع كلمات الإحباط مثل:(عمرك ما بتصير قد حالك..)، ولا يجوز بأي حال أن تستثني المرأة زوجها من مواضيع البيت ومهامه وذلك عندما تشكل المرأة حزبا يضم كل أولادها ويبقى الزوج المسكين خارج اللعبة (غايب طوشة) بحيث يكون مصير الزوج أن يأكل ويشرب وينام فقط ولا دخل له في ترتيبات البيت ومسيرته. وهذا إن تم فإنه يقتل الحب بين الزوجين تدريجيا.
كما لا يصح في الجهة المقابلة أن يعطي الرجل كل مهام البيت لزوجته ويخرج هو خارج اللعبة بحجة أنه يسعى لتقدير ذاتها، فتقوم الزوجة بتوصل الأولاد للمدرسة وإرجاعهم، وشراء حاجيات البيت واستقبال الضيوف وتدريس الأولاد وتنظيف البيت الخ... فهذا الفهم خاطئا.

وأما الحاجة الخامسة والأخيرة والتي يحتاجها الزوج أو الزوجة من أجل الوصول للحب الذكـي وتحقيق الاستقرار الأسري، فهي:(حاجـة تحقيــق الــذات).
بداية كل واحد منا يحب أن يحقق ذاته في أمر معين، ويحتاج إلى من يساعده أحيانا. فالرجل مثلا درس في الجامعة وأكمل دراساته العليا وترقى في عمله وفتح شركة، وسافر وأخذ دورات تدريبية تخدم عمله وتقوي شخصيته وتزيد من كفاءته وفي النهاية شعر بأنه قد حقق ذاته بهذه الأمور لحد ما.
وكذلك الزوجة تحتاج لمن يساعدها في تحقيق ذاتها فهي مثلا تحب أن تحصل على رخصة قيادة للسيارات، أو تحب أن تكمل دراساتها أو تحب أن تعمل لكي تشعر بالإنتاج وتحقيق الذات، أو تحب أن تؤلف كتاباً ما...الخ
فعلينا كأزواج أن نساعد بعضنا في تحقيق ذواتنا حسب رغبات كل منا. كما علينا أن نلاحظ أن تحقيق الذات مستمر عبر مراحل عمر الإنسان المختلفة فهو لا ينتهي إلا بالموت، فكلما حقننا ذاتنا في أمر ما أو هدف ما، قمنا بوضع هدف جديد لنبدأ مسيرة التقدم لتحقيق ذاتنا فيه. وهذا من سنة الله عزوجل في البشرية فلولاها لما تقدم الإنسان وانتهى الإبداع والطموح وكنّا أناس عاديين نولد ونأكل ونشرب ثم نموت كما يموت الآخرين.!!
تلكم أهم الحاجات الأساسية التي يحتاجها كل الأزواج (الحاجات الفسيولوجية، حاجة الأمن والسلامة، حاجة الانتماء والحب، حاجة تقدير الذات، حاجة تحقيق الذات) لذلك وجب علينا أن نسعى لتحقيقها كي نضمن نموا متكاملا لحياتنا الأسرية.

والسؤال الأخير الذي أود أن أطرحه الآن على إخواني وأخواتي القراء:(بعد أن استوعبت معي قانون الحب وبنوده الخمسة السابقة، ما هو الحب الحقيقي برأيك من خلال الحاجات الأساسية الخمسة السابقة؟ أو أين يكمن الحب الحقيقي في الحاجات الخمس السابقة).
فكر كثيرا قبل أن تجيب لأن البعض سيقول الحب الحقيقي يكمن في (حاجة الانتماء والحب)، وآخر سيقول يكمن في (حاجة تقدير الذات)...الخ. لأن كل منا ينظر من زاوية تهمه وربما تكون هي المفقودة في حياته الزوجية.
والجواب الصحيح على السؤال السؤال السابق هو(أن تكون معطي لكي هذه الحاجات الخمس للطرف الآخر) فهنا يكمن سرّ الحب الحقيقي الذي يغيب عن أذهان كثير من الناس للأسف فالحب الحقيقي أن تكون ملبيا للطرف الآخر بالطعام والشراب والمسكن والجنس تشعره بالأمان وتنتمي إليه حق الانتماء وتقدر ذاته وتسمع لكلامه وتستشيره وتساعده على الوصول لأهدافه.

د.ماهر العربي
مستشار أسري ونفسي
ايميل: dr.maheralarabi@gmail.com