728 x 90



img

وصلتني رسالة تقول: “أنا متزوجة منذ 6 سنوات، ورزقني الله بولد وبنت، أعيش حياة مملة، خالية من العواطف بيني وبين زوجي، فهو نادرا ما يتحدث معي، ولو تكلم معي، فكلامه جاف جدا، لا أذكر أنه قال لي كلمة أحبك، أو مدحني في أي مناسبة، بالرغم من أني ألبي كل طلباته، أريد حلا لهذه المشكلة”، هذا ملخص لرسالة مطولة كانت هذه أبرز كلماتها.
نلاحظ من هذه الرسالة أن هناك جفاء عاطفي بين الزوجين، ولذلك لا نستغرب حينما تأتي زوجة وتشتكي بأن زوجها لا يتكلم معها، ولا يحدثها بكلام طيب، فهو إما صامت، أو أن كلامه عبارة عن طلبات وفقط، ونفس الموضوع بالنسبة للأزواج، حيث تجد أحدهما يقول “إن زوجتي دائما ما تراقبني، ولا يهمها سوى أين كنت؟، ومع من؟، وماذا فعلت؟، وغيرها من الأسئلة المستفزة”. وفي الحقيقة فإن هذا يرجع كله إلى غياب الكلمة الطيبة من الأساس، ولذلك سنتناول في هذا الموضوع أثر الكلمة الطيبة على استقرار الأسرة.
إن الكلمة قد تستخدم لتحقيق التواصل الفعال بين الناس، وتؤدي إلى توثيق العلاقات وزيادة ترابطها، وقد تستخدم أيضا في الإساءة للأشخاص وتفرق بينهم وبين بعضهم، وتكون سببا في نشر الحقد والكراهية، ولذلك شبه القرآن الكريم الكلمة الطيبة بالشجرة المثمرة النافعة، وشبه الكلمة الخبيثة بالشجرة الضارة التي لا خير فيها، ولذلك قال المولى عز وجل في سورة إبراهيم “ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ( 24 ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ( 25 ) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ( 26 )”.
والكلمة الطيبة لها أثر طيب على النفس؛ حيث إنها تشعرها بالراحة والطمأنينة وتأسر القلب، وتوقظ المشاعر، وتحقق الود والوئام والترابط بين الناس.
وما أحوجنا في بيوتنا للكلمة الطيبة التي تكون بمثابة مصباح يضيء المنزل بأزهى الألوان، والتي تنشر الحب بين أفراد الأسرة وتقوي العلاقة بينهم. فالزوج حينما يختار لزوجته أفضل الكلام وأطيبه، فإن ذلك يوقظ مشاعرها ويحركها، ويزيد من حبها وولائها له، فمثلا لماذا لا يعبر لها عن حبه بكلمة “أحبك”، أو حينما يكون خارج المنزل، يرسل لها رسالة على الهاتف قائلا “اشتقت لك زوجتي وحبيبتي”، أو مثلا عندما يتناول الطعام يمدح صنيعها ويثني عليها أمام أولاده.
وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة حينما تستقبل زوجها العائد من عمله بأعذب الكلمات وأحلاها، فإنها بذلك تملك قلبه، وتستحوذ على حبه، فمثلا حينما يعود من عمله تقول له “أهلا بزوجي وحبيبي، البيت بدونك لا يساوي شيء”، أو عندما يتأخر عن المنزل تقول له “لقد اشتقت لك زوجي الحبيب”، أو تقول “لقد كان البيت مظلما وأضاء بمجيئك”، أو حينما يأتي متعبا ومرهقا من عمله، تستقبله بابتسامة جميلة وهي في أحسن صورة قائلة “ماذا بك حبيبي، أحب أن أرى منك ابتسامتك الجميلة، وتحضتنه كما لو أنها تحتضن طفلها”، بدلا من أن تسأله “أين كنت؟ ولماذا تأخرت؟”، أو بالعامية “ليش وجهك عابس”.
أيضا بالنسبة للأبناء، فإنه على الآباء والأمهات أن يتحدثوا مع أبنائهم بالكلام الطيب والإيجابي، ويمدحونهم، لأن ذلك يزيد من ثقة الأبناء بأنفسهم، ويزيد من حبهم واحترامهم لآبائهم، احتراما قائما على الحب، وليس احتراما قائما على الخوف.
كما أن الكلمة الطيبة تساعد الآباء على كسب قلوب أبنائهم المراهقين، الذين هم في أمس الحاجة لمن يحتويهم في هذه المرحلة، ولذلك أهمس في أذن الأب بأن يعامل ابنه المراهق بالكلام الطيب والرفق واللين، وأقول للأم بأنك تستطيعين أن تأسري قلب ابنتك بالكلام الطيب، لتكسبي ثقتها فتصبحي صديقتها ومكمن أسرارها، وبالتالي تكوني قد نجحتي في حماتيها من سحرة القلوب بالكلام المعسول من الشباب أو صديقات السوء لا قدر الله.
ولقد وجد الباحثون أن الكلمة الطيبة تؤثر على دماغ الإنسان وتحدث نفس الأثر الذي تحدثه المكافأة المالية، ولذلك أقول لرب الأسرة، تخيل لو أنك فوجئت بأن مديرك بالعمل يستدعيك ويقول لك لقد حصلت على مكافأة مالية بسبب مجهوداتك وأعمالك المتميزة، أو تخيل لو أنه قد جاءك اتصالا هاتفيا يبلغك بأنك قد ربحت في المسابقة التي تقدمت لها، ما شعورك حيال هذا الخبر؟ بالطبع سيكون شعورا إيجابيا، وكذلك الحال بالنسبة للكلمة الطيبة، فهي تحدث نفس الأثر الذي أحدثه خبر حصولك على مكافأة أو جائزة. ولذلك فإن الزوجة تحتاج لجائزة “الكلمة الطيبة” وكذلك الأمر بالنسبة الزوج، والابناء.
ويمكن أن نلخص أثر الكلمة الطيبة على أفراد الأسرة في النقاط التالية:
1- تزيد من الترابط بين أفراد الأسرة.
2- تزيد من ثقة الأبناء بوالديهم، وتزيد من ثقة الزوجين ببعضهم البعض.
3- تزيد من احترام أفراد الأسرة لبعضهم البعض.
4- تساعد كثيرا في تخفيف الضغوط الحياتية التاتجة عن العمل، أو مشكلات الحياة عموما.
5- تزرع داخل أفراد الأسرة الأمل والتفاؤل، وتجعلهم قادرين على تجاوز أي مشكلة تواجههم.
6- تحقق الشعور بالسعادة داخل أفراد الأسرة.
7- تخلق من أفراد الأسرة أفرادا إيجابيين مما ينعكس ذلك على المجتمع.
وختاما نقول إن الكلمة الطيبة لها مفعول السحر، فهي تطفىء نار الكراهية، وتقضي على الفتنة، وتنشر الحب والسلام، وتحقق التماسك بين أفراد أي تجمع مهما كان حجمه، فينعكس ذلك بدوره على رقي وتحضر المجتمع.