728 x 90



img

قام رسّام بطلاء مزهرية أثرية لامرأة غنية و أعجبت المرأة باللون، و بعد فترة من الزمن قررت أن تطلي غرفة نومها بنفس اللون ، فبحثت عن ذلك الرسام ليمد الدهانين بنفس الطلاء؛ حتى يتم دهن جدران الغرفة به ، إلا أنها لم تستطع الوصول إليه، فاستعانت بدهانين لطلاء الغرفة بألوان مماثلة للون المزهرية لكن لم يستطع أحدٌ منهم مطابقة اللون بما يكفي ليعجب المرأة غريبة الأطوار ، و في النهاية ظهر دهان كان واثقاً من استطاعته مطابقة الألوان لكن بشرط أن تعطيه شهراً كاملاً من العمل و أن تصبر عليه هذه المدة إلى أن ينتهي و يأذن لها بمشاهدة الغرفة وافقت المرأة تملؤها اللهفة لتحقيق مرادها ، و بعد انقضاء المدة قام الدهان بفتح الغرفة للمرأة التي سعدت كثيراً بذلك الإنجاز الذي حققه الدهان في حين عجز الآخرون ممن كانوا أكثر شهرة منه في البلدة، فذاع صيته و بات ثرياً و اشتهر، و بعد عدة سنوات تقاعد الرجل، تاركاً العمل لابنه ليديره بعد نجاحات متتالية بدأت من قصة المزهرية ، و قرر الانتقال إلى فلوريدا ، و قبل انتقاله سأله ابنه قائلاً: ( أبي هناك شيءأريد معرفته ، كيف استطعت مطابقة ألوان الجدران بلون المزهرية بينما لم يستطع الآخرون؟ )
قال : (يا بني لقد غيرت لون المزهرية ،ووحدت لونها مع جدران الغرفة ،و أخذت مدة الشهر حتى تنسى المرأة ذلك اللون الذي عجز الجميع عن مطابقته).
لقد أدرك ذلك الفنان نقطة في غاية الأهمية و هي: أنه عليك أن تجرب شيئاً جديداً، عندما تفشل كل الوسائل، حتى تحرز نتائج إيجابية .
أما اختياره لمدة الشهر فكانت عبقرية، المغزى منها أن تنسى ما منعها الاستفادة من الحلول الأخرى ، و مدة الشهر هي القاعدة الذهبية التي ينطلق منها علماء السلوك لاكتساب عادات إيجابية ، إذ أن تغيير العادة يستغرق وقتاً، و الله تعالى جعل رمضان بأيامه الثلاثين فرصة مواتية بكل ظروفه و شروط قبوله ، أن يلتفت المرء فيه إلى التغيير بحثاً عما يقربه إلى الله ، وهناك أبحاث تشير أنه يلزم المرء 21 يوماً لتغيير العادات السلبية الصغيرة أو الأقل وطئاً فَلَو نظرنا إلى تحري ليلة القدر كما في الحديث الشريف: ” تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان” . وهي ما تبدأ من ليلة الحادي و العشرين و هذا إعجاز في حد ذاته فبالإضافة إلى قيمتها في كونها بداية للعشر الأواخر في كونها تعد انتقالاً لمستوى العبادة إلى مستوى أعلى منها و كأن العشرين الأّول من الشهر كانت لاكتساب القدرة على إتيان العبادة تدرجاً إلى أن يصل إلى العشر الأواخر و التي عبرت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر .
إن القدرة على التفرغ للعبادة و اعتزال النساء و الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ما هي إلا نتيجة طبيعة لمن نجح في مجاهدة نفسه من بداية الشهرالكريم و يكون توفيقاً من الله أن ينال الجائزة منه بإدراك ليلة القدر و أخذ حظه منها.
و في الحديث أن رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال : مَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ صَحِيحًا مُسْلِمًا ، صَامَ نَهَارَهُ ، وَصَلَّى وِرْدًا مِنْ لَيْلِهِ ، وَغَضَّ بَصَرَهُ ، وَحَفِظَ فَرْجَهُ وَلِسَانَهُ وَيَدَهُ ، وَحَافَظَ عَلَى صَلاتِهِ مَجْمُوعَةً ، وَبَكَّرَ إِلَى جُمَعِهِ ، فَقَدْ صَامَ الشَّهْرَ ، وَاسْتَكْمَلَ الأَجْرَ ، وَأَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، وَفَازَ بِجَائِزَةِ الرَّبِّ ” .